الاثنين، 7 ديسمبر 2020

دراسة نقدية قيمة من الناقدة الشاعرة أ.هدى مصلح النواجحة/الشاعر ذياب الحاج ( غفلة ومجزرة)

دراسة نقدية قيمة من الناقدة الشاعرة ام فضل النواجحة
لقصيدة الشاعر ذياب الحاج
(غفلة ومجزره )

بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة أدبية نقدية في قصيدة الشاعر /ذياب الحاج بعنوان
غفلة ٌ ومجزره ............

إنّ الليالي دونَ بدرِكِ مُقفرَه
يا صخرةً منذ العروجِ مُوَقّرَه

قد غادرت ركبَ البُراقِ فوارسٌ
كانت و ألويةَ النّبيِّ مُعَسكِرَه

في غفلةٍ منذُ انطلاقةِ ثورةِ
.. .. المُختارِ حطّتْ بالمعارجِ مَجزَرَه

سقطَتْ بمذبحِها الكرامةُ كلّما
حمِيَ الوطيسُ تقهقرتْ مُتَكدّرَه

سبعينَ مقصلةٍ نصبْنا للهوى
وهوَتْ رؤوسُ العاشقينَ مُخدّرَه

! بسلاسلٍ ذهبيّةٍ سُقنا الدّما
مسفوكةً بيدِ الخيانةِ مُهدَرَه
! قُطعانُ من بُـهمِ الصّحاري أوجفَتْ
و أتتْ إلى حـدِّ المَنونِ مُعَطَّرَه

! عجبتْ سكاكينُ العِدى إذ أضحكتْ
شفراتُها سَفَهَ الوجوهِ المُسفِرَه

! إلّا براعمَ أُمّــةٍ غُرِستْ على
شُـمِّ القِبابِ وأصبحتْ مُستبشِرَه

تجني عُرى الإيمانِ من سِيَرِ الهُدى
رغـم الأئـمَّـــةِ بـالإلـــه مُكبِّـرَه
كان نص الشاعر من ضمن النصوص المطروحة للنقد الأدبي, وقد لفت انتباهي غرابة عنوانه وعدم مباشرته , إذن هناك خطاب شعري مختلف ويحمل في طياته توضيحاً ولفت نظر للقارئ . فالعنوان ثنائي التسمية وكل أسم يصلح أن يكون عنواناً لوحده , والاسمان يربطهما واو العطف فهما متساويان في الثقل أي كفتا ميزان في الأهمية .والاسمان أيضاً نكرات .وهذا أيضاً يعطي الشاعر الانطلاق والتوسع في فتح المجال للمتلقي في تتبع ما يكنيه الشاعر, وكلا الاسمين يحملان الموت والغياب في آن واحد . فالاسم الأول غفلة ٌ أي هناك طرفان أحدهما مغفل تم تعقبه وخداعه ,والآخر مخادع استطاع أن يدهلز على المخدوع وينال منه مادياً أو معنوياً ويفقده حقه فيما يمتلك . والاسم الثاني لا يقل صعوبة وابتزاز وهو الموت للأكثر من شخص؛ فتحول القتل المتعمد من الفردية للجماعة , ولما عُطفت على ما قبلها أصبح القتل على غفلة من أمرهم وفي غفلة منهم .وتعمد الشاعر أن يستغني عن التاء المربوطة ويضع الهاء التي تعني الألم والحسرة . فهو يؤكد الوجع الذي أشرنا إليه. .أما النقاط الملحقة وعدد اثنا عشرة نقطة؛ ليدلل على طول الزمن وكثرة المجازر؛العنوان مرٌّ وقاتل .
وسنبحر في النص لنرى مدى علاقة النص ببوابته .
القصيدة من عشرة أبيات على البحر الكامل , رائية الروي .أي بتردد مقصود لترك الأثر في المتلقي .
بدأ الشاعر بخطاب مباشر للصخرة المشرفة التي طارت صاعدةً وراء رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لتبين قدرة الله عز وجل ,فكل شيء مآل قدرته لله , وليدلل على أن نبوة محمد حقاً, فقد أحبه كل شيء واعترف بنبوته إلا الكافرين لضيق عقولهم وتعنتهم , ويشاركهم الإنكار الكثير من أهل الكتب السماوية حسداً منهم لرسول الله ورسالته , رغم أن الله خبرهم على ألسنة أنبيائهم وفي كتبهم السماوية .والشاعر يخاطب الصخرة كما لو كانت شخصاً عالي المقام , وهو يقف بين يديها على عادة الشعراء في المدح بين يدي الملوك والأمراء , وينسب لها بدراً مضيئاً للكون وعلى الناس . وأرى أن الشاعر هنا خرج بلغته للانحراف التام في الصورة المضيئة والمجاز. فالصخرة لها بدر خاص بها ويعني النور الإلهي والتمجيد الذي انفردت به الصخرة الشريفة عما سواها من مظاهر الكون على الأرض , لكن الشاعر وظف كلمة (مقفرة ) بدلاً من كلمة مظلمة ليوسع في حجم رفعة قدر الصخرة وعظم الأذى الذي سيلحق العالم من جراء اختفاء نورها, وضرورة الحفاظ على الصخرة الشريفة . وهنا إيحاءات عدة للحالة السياسية والاجتماعية والدينية وضعف من يسيطرون على هذا المكان الطاهر, فهي منذ عروجها خلف النبي صلى الله عليه وسلم ,حازت المكانة العليا والتشريف في نفوس العالم أجمع . وهذه.إشارات تاريخية ودينية ومباشرة لأكبر حدث في الكون حين عرج النبي للسماء السابعة برفقة جبريل عليه السلام .
إنّ الليالي دونَ بدرِكِ مُقفرَه
يا صخرةً منذ العروجِ مُوَقّرَه
ولعلني أصل إلى مبتغى الشاعر ومراده فقد جعل تفرد النبي (ص) بالعروج دون باقي الأنبياء الذين اجتمعوا في الأقصى وصلى بهم رسول الله ,ثم كان له شرف العروج , فهو تركهم ولم يتركوه فالمغادرة سبب انتهاء اجتماعهم . فما هي الألوية التي مازالت معسكرة ؟هل يعني الشاعر الملائكة المرافقة أم البشر من علموا بخبر العروج أم أتباع محمد (ص) من أمته ؟ إشارات غنية متعاقبة لحادث الإسراء والمعراج .
قد غادرت ركبَ البُراقِ فوارسٌ
كانت و ألويةَ النّبيِّ مُعَسكِرَه
في البيت الثالث نصل إلى دالة تاريخية أخرى وانتقال زمني ومكاني وتوسعٌ فيهما. فمن تاريخ المعراج ومكانه إلى ثورة عمر المختار في ليبيا ضد الإيطاليين . ويعتبر الشاعر هذه الثورات العربية التحررية معارج وصعود لقمة الفخار والتضحية ؛لكن المعراج الأول تحقق به النصر الأعظم ودخلت الناس في دين الله أفواجاً وأما المعارج الأخرى فكانت نتائجها مجازر الذي استعاض عنه بكلمة (حطت )
في غفلةٍ منذُ انطلاقةِ ثورةِ
.. .. المُختارِ حطّتْ بالمعارجِ مَجزَرَه

كل بيت به إشعاعات جديدة ففي البيت الرابع يقول مؤكداً لما سبقه ,فهو يشبه أن هذه الثورات بمذابح القرابين وهذا تضمين من الديانات غير الإسلامية فهي التي تؤمن بالقرابين والمذبح .وفي الجاهلية كان الذبح على النصب أمام الآلهة للتقرب لها,وقد كانت الذبيحة هي الكرامة التي منيت بالهزيمة فولت. ويؤكد على زمن فقدان الكرامة حينما تشتد المعركة التي يتفوق فيها الأعداء علينا .
مؤكداً سقطَتْ بمذبحِها الكرامةُ كلّما
حمِيَ الوطيسُ تقهقرتْ مُتَكدّرَه
ويبرز الشاعر الطريقة النتنة التي تهدر بها دماؤنا وهي الخيانة من أبناء جلدتنا فقد كانت مكافآت الخونة غالية شبهها بسلاسل الذهب تشبيه جميل أدى قيمته .
بسلاسلٍ ذهبيّةٍ سُقنا الدّما
مسفوكةً بيدِ الخيانةِ مُهدَرَه
ويشبه المحاربين العرب بالقطعان لما كان ينقصهم من تدريب على السلاح وحنكة عسكرية فهم غثير نظاميين ومنخرطين في جيش مؤهل لكنه شجاع ويحارب جيوشاً منظمة بعدة وعتاد كامل لكن هؤلاء الأبطال يطلبون الشهادة دون الوطن . كلام إنشائي جميل قد كثرت رمزيته ونرى في هذا البيت وما قبله صورتين متضادتين, الأولى للخونة وفي هذا البيت صورة للأحرار والمدافعين عن الوطن . فهي تأتي معطرة للحرب لكنه يشير إلى رائحة الشهداء وهما تضمين من السنة النبوية يأتي الشهيد جرحه برائح الطيب ومازال ينزف دماً احمر قاني كيوم كلم. .
قُطعانُ من بُـهمِ الصّحاري أوجفَتْ
و أتتْ إلى حـدِّ المَنونِ مُعَطَّرَه
يتلاعب الشاعر بالألفاظ ويدخل قمة الانزياح اللغوي وهو لغة الشعر؛ فقد أدخل سكاكين العدو القاتلة في عجب ٍ من الوجوه المسفرة الضاحكة المستبشرة لأنها ستلاقي ربها بشهادتها دون الوطن فلم تعبأ من شفرات القتلة. وقد جعل م السكاكين بشراً فهم يتعجبون من شجاعة المجاهدين .( للتشخيص)
عجبتْ سكاكينُ العِدى إذ أضحكتْ
شفراتُها سَفَهَ الوجوهِ المُسفِرَه
ويخرج الشاعر من التخصيص إلى التعميم ليصدر الحكم على كل أمتنا المناضلة, وهنا التفات وقيمة شعرية فهو يتحدث بلغة الجمع في توظيف الضمير (نحن) ,وما زال يوظف التضمين من القرآن الكريم في قوله وجوه يومئذ ٍ مستبشرة .
          إلّا براعمَ أُمّــةٍ غُرِستْ على
شُـمِّ القِبابِ وأصبحتْ مُستبشِرَه
وينهي الشاعر قصيدته بوصف لطريقة تمكنهم من الإيمان وعراه المتينة التي هي من هداية الله لهم , وقد جاء الشطر الأخير يدلل على أن إيمانهم صدى تجربة ٍ حقيقية ولم تعتمد على دعوى الأئمة . وقد وظف الاستعارة المكنية بصورة جميلة فقد شبه حبكات الإسلام القوية المتينة  بالثمار التي تجنى بعد الجهد والجهيد والكد والعمل فلن يمكن الإنسان دينه إلا بالحقيقة وممارستها والسعي في طلبها وممارستها .والأيمان ٌأقوى من الإسلام وأرفع درجات .
تجني عُرى الإيمانِ من سِيَرِ الهُدى
رغـم الأئـمَّـــةِ بـالإلـــه مُكبِّـرَه
لغة الشاعر لغة المتمكن من لغته العربية معجماً وتصريفاً وإعراباً . فلغته ملتفة , السهل الممتنع ,وقد حافظ على جمال الصور وتأثيرها في البيت الشعري .
القصيدة جميلة الحبك والصياغة رصينة الجدل قليلة الأبيات ,لكنها غزيرة  بمقومات اللغة الشعرية الرصينة .وقد حافظ على الجو النفسي والوحدة العضوية للقصيدة . 
القصيدة تعج بمظاهر جمالية كثيرة لكنني أكتفي إلى هنا حتى لا أثقل على نفسي وعلى المتلقين . أشكر للشاعر تمكنه من قلب الغرض الجديد فهو يسوق قضية تهم أمتنا العربية دون التشهير بأحد . ويكتفي بالتصريح دون التلميح .
 قصيدة عين الحداثة صالحة لكل زمان ومكان .
اعتمد الشاعر البحر المتكامل وكأنه يقرع طبول الحرب وينفض عن أمته غبار السكون والدعة فنحن اليوم أحوج للوحدة وضم الصفوف لملاقاة أعدائنا الكثر .

قراءة الأستاذة الناقدة والشاعرة / أم فضل النواجحة 
هدى مصلح النواجحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق