الأحد، 6 ديسمبر 2020

دراسة نقدية للشاعر الناقد سامي ناصف/ قصيدة حكاية زيتونة للشاعر د.أسامه مصاروه

دراسة نقدية هامة من الشاعر الناقد الحصيف سامي ناصف
قصيدة حكاية زيتونة
للشاعر Osama Massarwa

دراسة نقدية ،لقصيدة (حكاية زيتونة )
للشاعر/ أسامة مصاروة
يقدمها الشاعر الناقد/سامي ناصف.
...............
..تمهيد..

إن مهمة النقد في التوضيح والتفسير والشرح والتحليل، والحكم على العمل الأدبي ، بحيث تظهر فيه التجربة الجمالية صورة مؤثرة مقبولة تسُرّ القاريء ،وتطرب السامع ،وتمتع الناظر الفاحص الخبير .
فالنقد يجعلنا ندرك سمات الجمال وملامحه في النص الأدبي ويقودنا إلى سحر المادة ؛ويدلنا على الطريقة والشكل الذي صِيغت فيه،ويضع يدنا على ما في النص من رموز مؤثرة ، وروح تعبيرية خلاّقة ،وعناصر متكاملة .
فالنقد يعطينا إحساسا بالمقصد الجمالي،للمفردة المستدعاة ،والتركيبة المنتقاة،والصورة الملهمة .
فالنقد كالمادة الكيميائية التي تصل المواد الصلبة بعضها ببعض ،فيقوم النقد باستنطاق النص ،وتقديمة بصورة لافتة ومدهشة كثيرا في نظر صاحب النص ،والمتلقي .
مدخل للنص .
نحن مع نص للشاعر /أسامة مصاروة شاعر ،مجيد،له باع في دنيا الشعر،وله مع التراث الشعري مساحات ليست بالهينة ،حيث إنه مجيد في بناء القصيدة شكلا من حيث وحدة الوزن ووحدة القافية.

والقصيدة، تنعم بمفردات تدل على ان الشاعر يمتلك معجما لغويا ماتعا يسعفه حال الكتابة،وحاول أن توظف كلماته توظيفا حداثيا ،فالقصيدة تنعم بفنون الحداثة ،وتستظل بوارف عبق التراث،فالقصيدة من الشعر التقليدي،لكنها حققت مفاهيم المدارس الحداثية داخل النص،فحققت فيه مبدأ-الوحدة الفنية- من خلا وحدة الموضوع ووحدة الجوي النفسي، ليسلط عدسته الإبداعية رصدا وتحليلا من خلال،جعل الاستعارات والتشبيهات، والمجازات،لوحات مريئة تعكس ما يعتلج بنفسيته،حينما كتب لنا عنوانا ماتعا وكان في اختياره للعنوان شيء من العبقرية لما للزيتون من أثر في التراث الإنساني، وإسقاطات دينية،وصفحات من التاريخ ليسرد لنا حكاية زيتونة واحدة،ونراه يلبس الشجرة صفة ليست لها لينزاح بها إلى العاقلين لتحكي وتنظر،قائلا:
نظرت إليه حزينة متألمة..
أمريضة هي أم ترى متوهمة.
لكن حالتها بدت متأزمة..
ومن المذلة ربما مستسلمة.
فالمطلع للنص كاشف عن تأرجح الخالة النفسية التي ألبسها الشاعر للزيتونة مابين سخط وتعرية لوقع أليم وتاريخ حزين واستدعاء عبق التاريخ لحزور تلكم الرموز.
ولكن الشاعر هجم من وراء ستار على تخاذل الحكام عبر التاريخ موصفا الخيانة الأليمة،وإقامة سوق لبيع قدسية الشجرة.قائلا:
لولا خيانة حاكمينا السافلة.
ومنح الزيتونة حركة الاستفهام الداهش قائلا:
وقفت تساءل نفسها عن أهلها.
ماذا عساهم فاعلون لأجلها؟
ليأخذ الشاعر نفسا ويعود ليخاور الزيتونة قائلا:
مالي أراك حزينة هذا الصباح.
يامن صمدت اهوال الرياح.
مالي أراك كطائر فقد الجناح..
إلى آخر النص الذي يزخر بماتع الصور المناسبة للتجربة،واسادعى لنا وافرا من المفردات والتراكيب الموسومة بالبساطة والسهولة بعيظة عن العمق أحيانا،وترتدي حلة المباشرة أحيانا.
وآثرالشاعر المزج بين الأسلوبين الخبري والإنشائي ،حسب طبيعة التجربة.
فمن التراكيب، الإنشائية ،الطلبية التي انزاحت إلى المجاز ،لتتدلى عبر قطاف التركيب الخطابي المثير للدهشة والاستغراب قوله:
حكاية زيتونة.
نظرت إليه
صمدت ومازالت تقاوم..
وقفت تساءل نفسها
فجنيعهم خلعوا عباءات الضمير.
وهناك الكصير من الأساليب الإنشائية ما بين الاستفهام، والنداء،والتعحب،ليمنح النص هالات من الحيوية التي تجذب القاريء.
..الموسيقى وأثرها على النص .
فلقد آثر الشاعر العزف على أوتار موسيقية متعددة،منها الخارجية ،ومنها الداخلية.
فالخارجية متمثلة في البناء المحكم ،من خلال الروي الماتع الذي اعتراه شيء من التكلف،والباقي مجيد
يسمح للجرس الموسيقي أن يرن بحفيف هامس مشبع بالحزن .واعتمد على التعددية للقافية لكسر الرتابة
وكذلك الوزن الخليلي المكين في اغلب النص،ولكن هناك بعض الهَنات التي اعترت القصيدة،فعلى سبيل المثال لا الحصر قوله:
أو عن صمت أمتها.
هنا كسر فعلى الشاعر المراجعة والتدقيق.
وتخلل النص شيء من التفكيك في التجربة نظرا لتوسيع الشاعر في بعض المعاني على سبيل التكرار والنص كتب على مراحل زمنية مختلفة اثر ذلك على معيار الصدق الشعوري بالنص.
ومن هنا نعرض مهمة النقد ..
في رسم التجربة ،عبر الصورة المؤثرة ،التي تُسر القاريء وتطرب السامع ،وتُمَتّع الناظر الفاحص الخبير .
ويضع أيدينا على ما في النص من رموز
مؤثرة ،وروح تعبيرية خلّاقة وعناصر متكاملة ،فالنقد يعطينا إحساسا بالمقصد الجمالي ،للطريقة التي آثر الشاعر معالجتها وتوظيفها .
فالتجربة وقع الشاعر تحت مؤثرها واحتبسها وانفعل بها ،ساقها إلى فيافي، الجمال .

قدمها لكم الشاعر الناقد /سامي ناصف ) ...

اليكم النص

حكايَةُ زيتونةٍ

نظرتْ إليّهِ حزينةً متألّمهْ
أمريضًةٌ هيَ أمْ ترى متوهّمهْ
لكنّ حالتَها بدتْ مُتأزّمهْ
ومِنَ المذلّةِ ربّما مسْتسْلِمهْ

لا ليسَ هذا طبعَها كمناضِلَهْ
كمْ واجَهت أعتى الغزاةِ مقاتلهْ
صمدَتْ وما زالتْ تقاومُ باسلهْ
لولا خيانَةُ حاكمينا السافلهْ

وقفتْ تُساءِلُ نفسَها عن أهلِها
ماذا عساهُمْ فاعلونَ لأجلِها
أَتُراهمُ راضونَ عن أحوالِها
أو عنْ صمتِ أمَّتِها وعنْ إذْلالِها

"ما لي أراكِ حزينةً هذا الصباحْ
يا منْ صمدْتِ أمامَ أهوالِ الرياحْ
ما زلتِ سيّدةَ الفيافي والبطاحْ
مالي أراكِ كطائرٍ فقدَ الجناحْ"

"أنظرْ إلى زمني وقلْ لي من أنا،
أأنا أنا وعلى المدى وطني هنا؟
وإذا تمادوْا هل سيبقى في الدُنى
وطنٌ لمهزومٍ أُذلَّ فأذعنا؟

وهلْ بربِّكَ سوف يبقى عندَنا
شرَفٌ إذا خُنّا جميعًا عهدَنا
لمَ لا نواصِلُ أو نُجدّدُ مجدَنا
لِمَ ننْدُبُ الماضي ونسلخُ جلْدَنا"

"مالي أرى أُمّي مُعذّبَةَ الفؤادْ
وهِيَ التي ملكتْ نجادًا وَوِهادْ"

"أيَسرُّ عينَكَ أن ترى حالَ البلادْ
كيفَ التمنّي والعروبةُ في رُقادْ؟"

"أُماهُ لا تتوقّعي خيرًا كثيرْ
من حاكمٍ، ملكٍ وحتى منْ أميرْ
فجميعُهمْ خَلعوا عباءاتِ الضميرْ
وتدثّروا بِرِداءِ عبْدٍ أو أسيرْ"

ومعَ انْسِدالِ ظَلامِ تلكَ الليلَةِ
خرجَ الغزاةُ كدأْبِهم في ثُلَّةِ
وَمِنَ الجُحورِ تسابقوا للتلّةِ
بسمومِهمْ وشرورهمْ يا ويلتي

وصلوا إليها بكلابِهم وفؤوسِهمْ
والحقدُ طاغٍ ذاهبٌ برؤوسهمْ
أمّا الجنونُ فذاهبٌ بنفوسِهمْ
والحِقْدُ ديْدَنُهمْ وملءُ كؤوسٍهم

أشجارُ زيتونٍ هَوَتْ وَتحطّمتْ
وبيوتُ عزٍّ فُجِّرتْ وتهدّمتْ
حتى الأواني كُسِّرتْ وتَهشّمتْ
أمّا المياهُ فَلُوِّثتْ أو سمِّمتْ
د. اسامه مصاروه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق