الثلاثاء، 3 سبتمبر 2019

ابو بكر الصديق وقتاله للمرتدين ـــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 21-8-2019 هو عبد اللّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرَّة، يجمعه بالنبي صلّى الله عليه وسلّم قرابة ونسب تعود إلى مُرَّة وهو الجدُّ السادس للنبي عليه الصلاة والسلام. إسلام أبو بكر الصديق كان أبو بكر أشراف قريش وساداتها، وقد اشتهرالعقلانية ورجاحة العقل، وكان ممّا روي عنه أنّه ما سجد لصنم قبل ذلك قط، بل كان ممن يلتمسون كبد الحقيقة في ضروب هذا الكون الفسيح، ينشدها ويتبع أثرها أينما وُجد، إلى أن سمع ذات مرة بأنّ هنالك في أطراف الجزيرة رجل يدعى "ورقة بن نوفل" ذو علم وبصيرة بالكتب السماوية السابقة، فرحل في طلبه دون تردّد ينشد عنده الصدق الصواب، ولما دخل عليه سكنت نفسه واستبشرت بأنّ نبياً سيبعث في آخر هذا الزمان، ثمّ ما تبع ذلك من ذهابه إلى اليمن واتّصاله بأحد علمائها الذي أكّد له الأمر فتثبت ذلك لديه وتيقن به، الذي ما كاد يعود إلى مكّة حتى هرعت قريش إليه لتخبره بظهور رجل يزعم بأنّه نبيّ مرسل، وبينما هم كذلك إذ همّ أبو بكر وقصد النبي يسأله، فلما سمع منه أسلم على الفور وحسن إسلامه وأعزّ الله وأيد به دينه. صفات أبو بكر الصديق صفاته الخَلقيّة: وردت في رواية عائشة رضي الله عنها في وصف أبيها فقالت: "كان رجلاً أبيض نحيفاً خفيف العارضين، أجنأ، قليل لحم الوجه غائر، العينين ناتئ الجبهة (أي: بارزها) عاري الأشاجع" (أي: الأصابع). صفاته الخُلقية: يعدّ أبو بكر الرجل الثاني في هذه الأمة بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومع هذا كان شديد التواضع، رحيم يخفض جناحه لمن دونه. رجل ذو رأي سديد وحكمة بالغة ورباطة جأش كبيرة. صاحب شخصيّة قويّة فذّة لا تخاف في الله لومة لائم، ونجد ذلك جليّاً في إسلامه ودفاعه عن النبي ونصرته بكل ما يملك غير آبه بما سيجد. رجل من أشراف قريش ورجالها وفرسانها، ذو خلق رفيع. حنون رؤوف قريب، ويبدو ذلك في قيامه على المساكين والأرامل والفقراء وكبار السن والأيتام. صاحب حزم، وتصميم، وحنكة عسكرية عظيمة، وهذا ممّا ظهر في حروب الردّة وقتاله للمرتدين. هو رجل يحبّ الله ورسوله حتّى أنفق جلّ ماله في سبيل الله. رجل سياسة وخطيب مفوّه تجلّى هذا في خطبته التي خطب الناس بها حين انتقل النبي للرفيق الأعلى. زاهد في حطام الدنيا كريم لا يغريه مال ولا تفتنه خلافة أو إمارة. كثير الصلاة والزكاة وما يليهما من أعمال البر حتى ماسبقه أحد قط. كثير الورع شديد الإيمان حيي عظيم الحياء الأوضاع السياسيَّة بعد وفاة الرسول مُحمَّد ـــــــــــــ بعد وفاة الرسول مُحمَّد ضُحى يوم الإثنين 12 ربيع الأوَّل 11هـ، المُوافق فيه 7 حُزيران (يونيو) 632م، بُويع أبو بكر الصدِّيق بالخِلافة ليتولّى شؤون المُجتمع الإسلامي الجديد الذي كوَّنهُ الرسول خِلال حياته، فكانت خِلافته قصيرة لم تزد عن سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيَّام. لكن رُغم ذلك، وقع خلال تلك الفترة حدثان بارزان يُعدَّان من أبرز أحداث التاريخ الإسلامي على الإطلاق، هُما الرِّدَّة وانطلاق الفُتوح الإسلاميَّة خارج نِطاق شبه الجزيرة العربيَّة، وكان لكُلٍّ منهما تأثيره الخاص على مُستقبل الدعوة الإسلاميَّة والعرب. وتُطلق جميع روايات المصادر على التطوُّرات التي حصلت على أطراف شبه الجزيرة العربيَّة عقب وفاة الرسول وما نجم عنها من انتفاضة القبائل؛ بِحركة الرِّدَّة أو بالارتداد عن الإسلام وكان لِحركة الرِّدَّة أكثر من خلفيَّة لا تبدو بالضرورة مُتجانسة، ولكنَّها تضافرت مع بعضها وأدَّت إلى تفجير الوضع، لكنَّ المصادر تدمج هذه الخلفيَّات المُختلفة في إطارٍ واحدٍ غير مُميَّز وتُسمِّيه «الرِّدَّة»، فمُسيلمة الكذَّاب عل سبيل المِثال لم يعتنق الإسلام، لكنَّه ادّعى النُبُّوة لاحقًا، فلا يُمكن نعته بالمُرتد وفق الشرع الإسلامي، الأمر الذي يُفيد أنَّ الرِّدَّة بِمفهومها الفِقهي لا تأخُذُ بُعدها الشُموليّ لدى جميع قبائل الأعراب، لأنَّ بعضها كانت تُحرِّكهُ دوافع اقتصاديَّة أو سياسيَّة لم تُصب مُطلقًا جوهر العقيدة الإسلاميَّة ماهي الردة ــــــــــ الرِّدَّةُ في اللُغة تُفيدُ عدَّة معانٍ، منها: الرُجُوعُ والعَطْفَة، يُقال: ردَّ الشَّيءَ، أي أرجعه وأعاده، ومن ذلك ما ورد في القُرآن: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ﴾. ومن معناه أيضًا أن غيَّر الشيء وحوَّله من صفةٍ إلى أُخرى، ومن أمثلة ذلك: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا﴾، ومنهُ الرِّدَّة عن الإسلام، أي الرُجوع عنه. وفي الاصطلاح الشرعي فإنَّ الرِّدَّةُ هي الرُجوعُ إِلى الكُفر بعد الإِسلام: ﴿مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ﴾ حُرُوْبُ الرِّدَّةِ ـــــــــــ حُرُوْبُ الرِّدَّةِـ هي سلسلةٌ من الحملات العسكريَّة التي شنَّها المُسلمون على القبائل العربيَّة التي ارتدَّت عن الإسلام بعد وفاة الرسول مُحمَّد، خِلال الفترة المُمتدَّة بين سنتيّ 11هـ و12هـ، المُوافقة لسنتيّ 632م و633م. وقد ارتدَّ العرب في كُلِّ قبيلةٍ، باستثناء أهالي مكَّة والمدينة المُنوَّرة والطائف والقبائل التي جاورتها، وقد وُصفت هذه الحركات من الناحية السياسيَّة بأنَّها حركاتٌ انفصاليَّة عن دولة المدينة المُنوَّرة التي أسَّسها الرسول مُحمَّد وعن قُريش التي تسلَّمت زعامة هذه الدولة بِمُبايعة أبي بكرٍ الصدِّيق بِخلافة المُسلمين. وهي عودةٌ حقيقيَّةٌ إلى النظام القبلي الذي كان سائدًا في الجاهليَّة، وقد اتسمت من ناحية بالاكتفاء من الإسلام بالصلاة، والتخلُّص من الزكاة التي اعتبرتها هذه القبائل إتاوة يجب إلغاؤها. في حين اتسمت من ناحيةٍ ثانية بالارتداد كُليًّا عن الإسلام كنظامٍ سياسيّ، وليس إلى الوثنيَّة التي ولَّت إلى غير رجعة، والالتفاف حول عددٍ من مُدعي النُبوَّة بدافعٍ من العصبيَّة القبليَّة ومُنافسة قُريش حول زعامة العرب. الحملات العسكريَّة التي شنَّها المُسلمون على القبائل العربيَّة التي ارتدَّت عن الإسلام بعد وفاة الرسول مُحمَّد، خِلال الفترة المُمتدَّة بين سنتيّ 11هـ و12هـ، المُوافقة لسنتيّ 632م و633م. وقد ارتدَّ العرب في كُلِّ قبيلةٍ، باستثناء أهالي مكَّة والمدينة المُنوَّرة والطائف والقبائل التي جاورتها، وقد وُصفت هذه الحركات من الناحية السياسيَّة بأنَّها حركاتٌ انفصاليَّة عن دولة المدينة المُنوَّرة التي أسَّسها الرسول مُحمَّد وعن قُريش التي تسلَّمت زعامة هذه الدولة بِمُبايعة أبي بكرٍ الصدِّيق بِخلافة المُسلمين. وهي عودةٌ حقيقيَّةٌ إلى النظام القبلي الذي كان سائدًا في الجاهليَّة، وقد اتسمت من ناحية بالاكتفاء من الإسلام بالصلاة، والتخلُّص من الزكاة التي اعتبرتها هذه القبائل إتاوة يجب إلغاؤها. في حين اتسمت من ناحيةٍ ثانية بالارتداد كُليًّا عن الإسلام كنظامٍ سياسيّ، وليس إلى الوثنيَّة التي ولَّت إلى غير رجعة، والالتفاف حول عددٍ من مُدعي النُبوَّة بدافعٍ من العصبيَّة القبليَّة ومُنافسة قُريش حول زعامة العرب. وهذا يعني أنَّ الرِّدَّة لا يعدو كونها مُجرَّد حركةٍ سياسيَّةٍ تعتمدُ على العصبيَّات القبليَّة، ممَّا يُمثلُ عودةً إلى نظام القبيلة وإلى استرجاع مُلكٍ أو سُلطانٍ فقده البعض، وقد اتخذت هذه الحركة قناعًا زائفًا من الدين لِتستقل عن سُلطة المدينة المُنوَّرة، فكان لا بُدَّ من الصِّدام المُسلَّح العنيف بينها وبين الإسلام، وعلى هذا الأساس كانت حُرُوبُ الرِّدَّة دعوةً صريحةً للجهاد في سبيل الله، وقد حمل أبو بكر لواء الجهاد ضدَّ القبائل الانفصاليَّة ومُدعي النُبوَّة، فجهَّز الألوية العسكريَّة وسلَّم قيادتها إلى عددٍ من القادة المُسلمين أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل، وسيَّرهم إلى معاقل تلك القبائل حيثُ قاتلوهم بضراوةٍ شديدةٍ وقضوا على حركاتهم، فعاد أغلب زُعمائهم ومشايخهم إلى الدُخول في الإسلام، وقُتل بعضهم الآخر في أرض المعركة. وبانتهاء حُرُوبِ الرِّدَّة، توحَّدت كامل شبه الجزيرة العربيَّة تحت راية الإسلام، وأصبح بإمكان المُسلمين أن يُركزوا على التوسُّع خارجًا في الشَّام والعراق على حساب الروم البيزنطيين والفُرس الساسانيين. كذلك، كان من نتيجة هذه الحُرُوب أن أمر أبي بكرٍ الصدِّيق بِجمع القُرآن لِأوَّل مرَّة وفق عامَّة الروايات عند أهل السُنَّة والجماعة، وذلك بعد أن استشار عُمر بن الخطَّاب، وأن الذي قام بهذا الجمع زيد بن ثابت، أمَّا سبب قرار جمع القُرآن بين دفَّتي كتاب فكان كثرة من قُتل من الصحابة من حفظة القُرآن في المعارك التي دارت مع القبائل المُرتدَّة. وفي هذا المجال قال أبو بكر: «قُلتُ لِعُمَرَ: "كَيفَ أَفعَلُ شَيئًا لَم يَفعَلَهُ رَسُولُ الله ؟" فَقَالَ عُمَر: "هُوَ واللهِ خَيرٌ"، فَلَم يَزَل عُمَر يُرَاجِعَنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدرِي». وهكذا، أخذ زيد يتتبع القُرآن من العسب واللخاف وصدور الرجال فجمع القرآن كله في مُصحف، فكانت هذه الصُحف عند أبي بكرٍ الصديق حتى تُوفي ثم عند عُمر حتَّى مات ثم عند حفصة بنت عمر اسباب ارتداد القبائل العربية ــــــــــ كانت سياسة الرسول مُحمَّد صلى الله عليه وسلم تتجه نحو توحيد العرب تحت راية الدين الإسلامي في مؤسسةٍ تتخطّى النظام القبلي، واستطاع أن يؤسس جماعةً دينيَّةً سياسيَّةً جسَّدت كيان دولة. فدخل العرب عامَّتهم في هذا الدين، وانضووا تحت لِواء النبيّ، ودانوا له بالزعامتين الدينيَّة والسياسيَّة، بفعل أنَّه يُصدرُ أحكامه عن وحي الله وأمره، بالإضافة إلى أنَّهُ كان مثاليًّا في سُلوكه. إذ سوّى في المُعاملة بين القبائل المُختلفة، ولم يميل إلى إيثار الأهل والعشيرة. وهكذا تمَّ توحيد القبائل في شبه الجزيرة العربيَّة في دولةٍ واحدةٍ يرأسها النبيّ ومركزها المدينة المُنوَّرة. لكنَّ هذه الوحدة كانت مُفككة. فالاضطراب الذي لازم مواقف القبائل العربيَّة، التي لم يترسَّخ الإسلام في قُلوبها نظرًا لِحداثته؛ وحَّد التيَّارات المُختلفة في المدينة المُنوَّرة، فالتفَّ الجميعُ حول الخليفة. أمَّا خارج نطاق المدينة، وفي أرجاءٍ واسعةٍ من شبه الجزيرة العربيَّة، فلم يكن يوجد سوى أشكالٍ من التحالف السياسي مع المدينة، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ الدُخول في الإسلام كان قرارًا سياسيًّا استهدفت به زعامات القبائل المُحافظة على كيانها، وتحاشي خطر المُسلمين عليها. لكن هذه الزَّعامات، ربطت بين شخص النبيّ وبين ما حقَّقهُ للعرب بعامَّةً من مكاسب دينيَّة واجتماعيَّة وسياسيَّة غيَّرت تمامًا حياة العربيّ والنظام القبليّ الاجتماعيّ. فقد استبدل الإسلام، مُنذُ بداياته، رابطة الدم بِرابطة الدين والعقيدة، والغزو والحرب وفق الأعراف السائدة بما تنصُّ عليه الشريعة، والتمزُّق القبليّ بِوحدة الأُمَّة، وحدَّ من النِزاعات القبليَّة التقليديَّة من خِلال رفع مبدأ الثأر بِشكله القبليّ، ونقل مسؤوليَّة ذلك إلى الجماعة الإسلاميَّة، وشرَّع الجهاد في سبيل الله بدلًا من القِتال من أجل الثأر أو التسابق على الماء والكلأ، وأطاح بِفرديَّة القبيلة لِقاء فكرة الجماعيَّة التي تستند عليها الأُمَّة، وأرسى قواعد الدولة الإسلاميَّة، وساوى بين المُسلمين دون النظر إلى أُصولهم وألوانهم وأعراقهم، ودعا إلى التكافل والتضامن، ونظَّم المُجتمع العربيّ على نحوٍ يتناسب وطِباع العرب، ومع ذلك لم يتمكّن من الإنجاز التام والنهائي لِمدِّ نُفوذ الدَّولةِ الإسلاميَّة الناشئة على سائر أنحاء شبه الجزيرة العربيَّة، فبقيت العادات والتقاليد القبليَّة القديمة مُتجذِّرة في نُفوس القبائل المُقيمة على أطراف شبه الجزيرة، وكانت أقوى من رابطة الدين. والحقيقة أنَّ سياسة التوحيد لم تكن قد استُكملت، ولم يتجذَّر الإسلام إلَّا بين سُكَّان المدينة المُنوَّرة ومكَّة والطائف، وبعض القبائل القاطنة بجوارهم. أمَّا سُكَّانُ المناطق الأُخرى في شبه الجزيرة، ولا سيَّما اليمن وعُمان وحضرموت في الجنوب، فلم يكن الدين قد تجذَّر في نُفوس سُكَّانها، ولقد كان إسلامهم سطحيًّا ومرحليًّا، واستسلامًا للأمر الواقع خشية القتل والسبي، وليس اقتناعًا بالإسلام كعقيدة ونظام ومنهج حياة، كما كان وليد ظُروفٍ سياسيَّة خاصَّة أحدثها دُخولُ قُريش في الإسلام، ولم يؤدِّ إلى خلق ترابط ووِثاقٍ اجتماعيٍّ ماديٍّ فيما بينهم. وقد أسلم أهالي هذه المناطق مُقتدين برؤسائهم الذين تقبَّلوا سُلطة الحُكومة الإسلاميَّة في المدينة المُنوَّرة، وأطاعوا الرسول مُحمَّد، بعد أن حقَّق انتصاراتٍ كُبرى على القِوى المُعادية له ولِدعوة الإسلام، للمُحافظة على كيانهم وإبعاد خطر المُسلمين عنهم. ولا يدُلُّ إرسال الوُفود القبليَّة إلى المدينة لتُعلن إسلامها على أنَّ القبائل فهمت واستوعبت الإسلام وآمنت بتعاليمه وحرصت على الدُخول فيه، وبِخاصَّةً أنَّ المُدَّة الزمنيَّة بين دُخول هذه القبائل في الإسلام ووفاة النبيّ كانت قصيرة لا تتجاوز ثلاث سنوات، بالمُقارنة مع المُدَّة التي استغرقها استقرارُ الدّين الإسلامي في مكَّة والمدينة، البالغة عشرين سنة. كما أنَّ هذه القبائل الضَّاربة على الأطراف كانت تمُرُّ بمرحلة تحوُّلٍ سياسيٍّ لتتخلَّص من الضغط الفارسيّ الساسانيّ الواقع عليها، بالإضافة إلى الصراعات الداخليَّة بينها على النُفوذ. لذلك، تفاوت إيمان هذه القبائل بين القوَّة والضعف بشكلٍ عام. ولقد كان النبيُّ يعي ذلك تمامًا، ونزلت بهذا الصدد الكثير من الآيات القًرآنيَّة تتهم الأعراب، وهُم الأكثريَّة المُطلقة للعرب آنذاك، بالضُعف والتخاذُل والكُفر والنِفاق، ومنها ما ورد في سورة التوبة: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، وفي سورة الحُجرات: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. ويُلاحظ أنَّ الآية الأخيرة نزلت في وقتٍ أخذت الكثير من القبائل تُسارع عبر وُفودها للدُخول في الإسلام. وكان الرسول قد شعر بما تنعم بهِ هذه القبائل من حُريَّة العيش، فتركها تعيشُ حياتها الخاصَّة مع الإلتزام بتعاليم الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وغيرها، لذلك لم تفقد شيئًا من حُريَّتها السياسيَّة، على أنَّها اعتبرت الزكاة نوعًا من الذُلِّ والتبعيَّة، يدفعونها بصفتهم الطرف المغلوب، الأمر الذي يدُلُّ على عدم استيعابهم الغاية من ورائها، وبالتالي عدم استيعابهم الدين الجديد؛ فالزكاةُ واجبة على جميع المُسلمين سواء كانوا سادة قومهم أم من العامَّة، طالما تخطَّت ثروة الشخص منهم المقدار الذي حددته الشريعة، لكن على الرغم من ذلك، لم تمنع تلك القبائل الزكاة في حياة النبيّ، إذ اعتبر مشايخها وأمراؤها أنَّهم أبرموا حلفًا أو عقدًا مع قائدٍ كبيرٍ يفوقهم قوَّةً وشأنًا، والعهدُ مُلزم، لا سيَّما وأنَّ الظُروف قد فرضت ذلك بعد أن اتّحدت قُريش، وهي أقوى قبائل العرب، تحت راية الإسلام؛ لكن كما هو حالُ أيُّ عقد، فإنَّ صلاحيَّته تنتهي آليًّا بِوفاة الشخص المُتعاقد معهُ إن لم يتمُّ البت فيه مُجددًا مع شخصٍ آخر. لذلك اعتقدت هذه القبائل أنَّ ما يجري في شبه الجزيرة العربيَّة موقوتٌ بحياة النبيِّ مُحمَّد، وما أن وافته المنيَّة حتَّى تحيَّنت الفُرص للانفصال عن الدولة الجديدة سياسيًّا وطرد عُمَّال الزكاة الذين كان الرسول قد أرسلهم للإشراف على جمعها وشرح أُمور الدين للناس، والارتداد عن الإسلام كنظامٍ سياسيٍّ وليس إلى الوثنيَّة، بدليل أنَّ أهم حركات الرِّدَّة كانت تقوم على إدعاء النُبُوَّة. مواطن أهمُّ القبائل العربيَّة في شبه الجزيرة. ارتدَّت أغلب تلك القبائل عن الإسلام بعد وفاة النبيّ عدا قلَّةٌ قليلة مثل قُريش وثقيف والأوس والخزرج ومن جاور ديارها في مكَّة والمدينة والطائف. تذكُرُ الرِّوايات التاريخيَّة أنَّ مُمثلي بنو أسد وغطفان وطيء اجتمعوا بعد وفاة النبيّ، وأرسلوا وفدًا مُفاوضًا عنهم إلى المدينة المُنوَّرة مُطالبين بإعفائهم من الزكاة. استقبل أبو بكر الوفد استقبالًا حسنًا لكَّنهُ رفض طلبهم بترك الزكاة رفضًا قاطعًا على الرُّغم من أنَّهم أكَّدوا عزمهم على الاستمرار في الدين والصَّلاة. ولمَّا عادوا خائبين من المدينة ارتدّوا والتحقوا بالمُتنبأ طُليحة الأسدي، وما يصحُّ على هذه القبائل يصحُّ أيضًا على الأكثريَّة السَّاحقة من القبائل مثل كِندة وقُضاعة وهوزان وغيرهم، حيثُ أعلنوا ارتدادهم وفضّوا عُقودهم مع النبيّ واستقلّوا بأنفسهم. وأدَّى العاملُ الأجنبيّ دورًا آخر في تحريك البواعث التي أدَّت بدورها إلى انتفاضة الأعراب ورِدَّتهم، ذلك أنَّ إرسال النبيّ الكُتب والمراسيل إلى المُلوك والأُمراء المُجاورين، ومن بينهم شاه فارس كسرى الثاني وقيصر الروم الإمبراطور هرقل، يدعُوهم فيها إلى الإسلام، جعل هؤلاء يعملون على إثارة الفتنة في بِلادٍ ليس فيها من أسباب الوِحدة غير الدين الجديد. كذلك، لعب تباين حياة الحضر والبدو في شبه الجزيرة العربيَّة دورًا في عدم تحقيق الوحدة القوميَّة بسهولة، فطبيعة حياة البدوي لا تخضع لِحاكمٍ على النحو الذي يفهمه الحضريّ. فالبدويّ لا يُقايض باستقلاله الفرديّ شيئًا، كما ترى القبيلة في البادية أنَّ حياتها تكمن في استقلالها، فتُقاوم كُلَّ ما من شأنه الانتقاص أو الحد منها. وعندما انتشر الإسلامُ بين العرب، وهو يدعو إلى التوحيد، خشي هؤلاء من أن تمتد وِحدة الإيمان بالله إلى وِحدةٍ سياسيَّةٍ تقضي على استقلالِ أهلِ الباديةِ. أخيرًا، اتخذت بعضُ القبائل موقفًا سياسيًّا مُعارضًا من قُريش بعد وفاة النبيّ، بدافعٍ من عصبيَّتها القبليَّة، فتلك القبائل لم ترضَ من قبل بتفوُّقِ قُريش وزعامتها عليها، وعدَّت استمرار هذه الزعامة بعد وفاة النبيّ كنوعٍ من الوِراثة التي لم يألفها العرب، لذلك لم تأخذ بيعة أبي بكرٍ طابعها الاجتماعيّ في أواسط القبائل، فكان لِبعضها موقفٌ لا ينسجمُ تمامًا مع الأُسلوب الذي تمَّ بموجبه اختياره كخليفة دون أن يكون لها رأيٌ في هذا الاختيار بروز ظاهرة التنبؤ ـــــــــــ لم يكد نبأ وفاة الرسول مُحمَّد صلى الله عليه وسلم ينتشرُ في بِلاد العرب حتَّى اشتعلت الفتنة في كُلِّ أنحاء شبه الجزيرة العربيَّة بأشكالٍ مُختلفةٍ ولِأسبابٍ مُتباينةٍ، وبرزت ظاهرة التنبؤ كإحدى الانعكاسات للنجاح الإسلامي في الحجاز، وإن كان بعضُ المُتنبئين قد أعلنوا دعوتهم في أواخر حياة النبيّ. فادَّعى ذو الخِمار عبهلة بن كعب العنسي، المعروف بالأسود العنسي، النُبوَّة في اليمن وارتدَّت معه قبيلة مذحج ومن يليها، وتنبَّأ طُليحة بن خُويلد الأسدي في بُزاخة وتبعه بنو أسد وغطفان وطيء والغوث ومن إليهم، وتنبَّأت سُجاح بنتُ الحارث التميميَّة ولحق بها بنو تغلب وناصرها بنو تميم، وتنبَّأ مُسيلمة بن حبيب الحنفي في اليمامة وتبعهُ بنو حنيفة، وادَّعى هذا الأخير مُشاركة الرسول مُحمَّد في النُبُوَّة وحاول مُساومتهُ في اقتسامِ المُلك والسِّيادة في شبه الجزيرة العربيَّة، وكذلك تنبَّأ ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي في عُمان وغلب على أهلها، وطرد منها عُمَّالُ الخليفة أبي بكر. وكانت ثورة اليمن أعنف مظاهر الانتفاض على الدين الجديد في شبه الجزيرة العربيَّة خِلال أواخر حياة النبيّ، لكنَّ قبائل اليمامة وما جاور الخليجُ العربيّ، كانت تتهيَّأ للثورة على الدين الجديد، ومع أنَّ النبيّ لم يُغفل هذا التطوُّر السلبيّ في أواخر حياته، إلَّا أنَّ اهتمامه السياسيّ انحصر في الالتفات نحو الشمال من خلال تجهيزه حملة أُسامة بن زيد، إذ أمره أن يتوجَّه إلى تُخومِ البلقاء والداروم من أرض فلسطين بالشَّام، واعتقد بأنَّهُ إذا استطاع تحقيق الانتصار هُناك، فإنَّ ذلك من شأنه تقوية موقفه داخل شبه الجزيرة العربيَّة وبين قبائلها، وبخاصَّةً أنَّ الدعوة الإسلاميَّة انتشرت آنذاك في مُختلف أنحاء شبه الجزيرة من الشمال إلى الجنوب، ثُمَّ أنَّ خُروج أُسامة إلى وجهته يُعبِّرُ عن الإقلال من شأن هؤلاء الخارجين والمُرتدّين، وخطرهُم، ولا شكَّ بأنَّ هذه السياسة تُعطي المُسلمين دفعًا معنويًّا لِمواجهة الخارجين والمُرتدين في اليمن واليمامة وغيرها من أقاليم شبه الجزيرة العربيَّة. رسالة الرسول مُحمَّد صلى الله عليه وسلم إلى مُسيلمة الكذَّاب. كان المُتنبئون آنذاك يتهيأون للجهر بدعوتهم آملين بأن تحل بالمُسلمين نكبةً ما، وأخذوا يُبشرون بها، كُلٌّ في ناحيته بهُدوءٍ وأناة، دون أن يطعن أحدٌ منهم بصحَّة نُبُوَّة مُحمَّد، وإنما ساووا أنفسهم به، فهو نبيّ وهُم أنبياءٌ مثله بُعثوا في أقوامهم، كما بُعث هو في قومه، فأرسل مُسيلمة بن حبيب الحنفيّ إلى الرسول يقول: «مِنْ مُسَيْلَمَةَ رَسُوْلِ الله إِلَىْ مُحَمَّدْ رَسُوْلِ الله، سَلَامٌ عَلَيْكَ فَإِنِّيْ قَدْ أَشْرَكْتُ فِيْ الأَمْرِ مَعَكَ، وَإِنَّ لَنَا نِصْفَ الأَرْضِ وَلِقُرِيْشَ نِصْفُ الأَرْضِ، وِلَكِنَّ قُرَيْشًا يَعْتَدُوْن». فردَّ عليه النبيّ: «، مِنْ مُحَمَّدْ رَسُوْلِ الله إِلَىْ مُسَيْلَمَةَ الكَذَّابْ. سَلَامٌ عَلَىْ مَنْ اتَّبَعَ الهُدَى، أَمَّا بَعْد، فَإنَّ الأَرْضَ لِله يُورِثَهَا مَنْ يَشَاْءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ للمُتَّقِيْن». وتمادى المُتنبؤن حين امتدَّت أيديهم إلى التشريع. من ذلك أنَّ مُسيلمة الكذَّاب شرَّع لأصحابه أنَّ من أصاب ولدًا واحدًا عقبًا لا يأتي امرأة إلى أن يموت ذلك الابن، فيطلب الولد حتّى يُصيب ابنًا ثُمَّ يُمسك. فحرَّم بذلك النساء على من له ولدٌ ذكر. وادَّعى المُتنبؤن بأنَّ الوحي ينزل عليهم من السماء، وحاول بعضهم التشبُّه بالإسلام، فعمد بعضهم إلى اتخاذ بيتٍ حرامٍ يُنافسون به البيت الحرام في مكَّة. من ذلك أنَّ مُسيلمة الكذَّاب ضرب حرمًا في اليمامة نهى النَّاسُ عنه وأخذ النَّاس به، فكان مُحرَّمًا اسباب التنبؤ ـــــــــــ كان وراء بُروز ظاهرة التنبؤ عدَّة أسباب، منها ما هو سياسيّ ومنها ما هو اجتماعيّ واقتصاديّ. فالمناطق التي انطلق منها المُتنبؤن، كانت أكثر مناطق شبه الجزيرة العربيَّة تحضُّرًا وأضخمُها ثروةً، كما كانت مُجاورةً لأراضي الفُرس الساسانيين، أو كان للفُرس فيها نُفوذ. وقد اعتمد المُتنبؤن على الناحية العصبيَّة، وبخاصَّةً ما كان بين اليمنيَّة والمضريَّة من عداوة راسخة الجُذور، بالإضافة إلى التنافُس بين ربيعة ومَضَر. ويرتبط بالعصبيَّة القبليَّة ما ينتج عنها من تحاسُدٍ وتنافُسٍ بين القبائل العربيَّة والتَّسابق في ادِّعاء النُبُوَّة. إذ أنَّ النجاح الذي حقَّقهُ النبيُّ في حياته، والمكانةُ التي وصلت إليها قُريش في شبه الجزيرة العربيَّة، عند وفاته، غدت مثار حسد كافَّة القبائل العربيَّة، ولم تلبث أن أضحت سيرةُ النبيِّ مثلًا يُحتذى لِتحقيق نوعٍ من الأهميَّة والزَّعامة في مُجتمعٍ يُمجِّدُ الأبطال. والواضح أنَّ كثيرًا من الأفراد في المُجتمع العربيّ كانوا طُلَّاب زعامة ورئاسة، فأرادوا الاقتداء بالنبيّ لِتحقيق تطلُّعاتهم، فحاولوا التشبُّه به في ما أوحي إليه من القُرآن، فأتوا بِعباراتٍ مسجوعة مُفكَّكة المعاني، ركيكة المضمون وقالوها على مسمعٍ من قومهم. تفجَّرت ظاهرة التنبؤ في بلادٍ وعلى أيدي أفرادٍ عرفوا المسيحيَّة وسمعوا بها، أو اعتنقوها أو اشتهروا بالكهانة. فقد ساد شبه الجزيرة العربيَّة آنذاك باستثناء الحجاز، اضطرابٌ دينيٌّ بِفعلِ عدم استقرار العقيدة في النُفوس. فالمسيحيَّة واليهوديَّة والمجوسيَّة والوثنيَّة، تجاورت كُلَّها في ظلِّ نقاشٍ جدليٍّ في أيٍّ منها تُحقِّقُ السعادة لأتباعها، ممَّا مهَّد الطريق أمام المُتنبئين للظُهور واستقطاب النَّاس بِكلامٍ مُنمَّقٍ، وبِمظاهر يتخذونها آيات صدقهم، واستطاعوا بهذه الوسيلة أن يُحققوا نجاحًا مبدئيًّا. ذلك أنَّ المسيحيَّة انتشرت في شبه الجزيرة العربيَّة قبل الإسلام عن طريق الأحباش في الجنوب والعرب الأنباط والروم والسُريان في الشمال. وكان ملك اليمامة هوذة بن عليّ الحنفيّ نصرانيًّا أرسل إليه الرسول مُحمَّد سليط بن عمرو العامريّ يدعوه إلى الإسلام. ثُمَّ أنَّ العرب شأنهم في ذلك شأن مُعظم الشُعوب الوثنيَّة عرفوا الكهانة وبِخاصَّةً عرب الجنوب، أي قوم حِمير، ومن أبرز كهنتهم «طريفة الخبر» التي تنبأت بأخبار سد مأرب، وسُطيح الغسَّاني، وغيرهما. فادَّعى بعضُ الكُهَّان أنَّ نُفوسهم قد صفت واطَّلعت على أسرار الطبيعة، وادَّعى آخرون أنَّ الأرواح المُنفردة، وهي الجن، تُخبرهم بالأشياء قبل حُصولها. وحصل تقاربٌ بين المسيحيَّة والكهانة عند العرب في الجاهليَّة، هذا على الرُغم من أنَّ أدعياء النُبُوَّة اختلفوا عن الطرفين في اتباعهم أُسلوب النبيّ مُحمَّد في سيرته وأقواله وأفعاله، فادَّعوا أنَّهم أنبياء، وأنَّ الوحي ينزلُ عليهم، وشرَّعوا لأتباعهم، وطالبوا لأنفسهم بسيادة وزعامة عليهم. اعتمد المُتنبئون على العامل الإقليميّ. فقد استغلَّ الأسود العنسي استياء اليمنيين من الفُرس ونُفورهم من الحجازيين، إذ كان للفُرس نُفوذٌ كبيرٌ في اليمن نتيجة زواج الجُنود الفُرس باليمانيَّات، وكان أبناء هؤلاء من أبناء الطبقة الإداريَّة المُتفوِّقة التي يستعينُ بها أهلُ اليمن، وقد حالف هؤلاء اليهود من أصحاب رؤوس الأموال، ولمَّا ضاق اليمنيّون ذرعًا بالضرائب الكثيرة المفروضة واستغلال طبقة المُرابين الذين كانوا يشترون المحاصيل قبل نُضجها بأسعارٍ مُتدنِّية، حوَّلوا غضبهم إلى الفُرس ووقفوا ضدَّ الوُجود الساساني ببلادهم. وفي هذه الأثناء كانت الدولة الإسلاميَّة قد أصبحت تُتاخم اليمن بعد أن فُتحت مكَّة سنة 8هـ المُوافقة لِسنة 630م، وأخذ عُمَّالُ الرسول مُحمَّد يصلون إلى اليمن، يُبشرون بالدين الجديد، كما أنَّ وُفودًا من أهل اليمن بدأت تتوجَّه نحو المدينة المُنوَّرة، لِتُعلن دُخولها في الإسلام لِتعود ومعها عُمَّالُ النبيّ. ويبدو أنَّ الوُجود الإسلاميّ، وجمع الزكاة، واجها مُعارضةً من قبل بعض زُعماء القبائل، وأشارت الروايات إلى وجود تحرُّكٍ مُعارضٍ في منطقة حِمير، وأنَّ الصَّحابيّ معاذ بن جبل الذي بعثهُ الرسولُ قاضيًا إلى اليمن، قاتل هؤلاء المُنتفضين وانتصر عليهم. بناءً على هذه المُستجدات، استغلَّ الأسود العنسي الظروف وكتب إلى العُمَّال المُسلمون يُنذرهم فيها أن يرُدّوا ما بأيديهم إذ أنَّه هو أولى به، وأعلن حركته الانفصاليَّة، وكانت تلك أوَّلُ ظاهرةٍ لِفتنته. وبعد أن وثق من قوَّته، هاجم مدينة نجران واستولى عليها، وانضمَّ أهلُها إليه، ثُمَّ سار إلى صنعاء ودخلها بعد أن قتل عاملها، ففرَّ المُسلمون منها ومعهم معاذ بن جبل، وأخذ العنسي يدعو إلى نفسه بعد هذه الانتصارات. شجَّعت ثورة الأسود العنسي قبائل اليمامة وبني أسد على الاقتداء به إثر وفاة النبيّ مُحمَّد. فقد كان كُلٌّ من مُسيلمة وطُليحة يخشى قُوَّة المُسلمين المُتنامية، ويرى أنَّهُ لا قِبَل له بِمُقاومتها، لذلك لم يُعلن ثورته مُبكرًا. ولمَّا تجرَّأ الأسود العنسي على إعلان دعوته، ورفع راية العِصيان، وحاز من النجاح ما أثار مخاوف المُسلمين، اقتدت قبائل اليمامة به وشجَّعها على ذلك أنَّ النبيّ توفي في ذلك الوقت شكَّلت ظاهرة التنبؤ إحدى الانعكاسات التي أحدثها فتحُ مكَّة، وانتشارُ الإسلام في أجزاءٍ واسعةٍ في شبه الجزيرة العربيَّة، وتوسيع نُفوذ الحُكومة المركزيَّة في المدينة المُنوَّرة. ذلك أنَّ هذا التطوُّر الإسلامي أثار عمليَّاتٍ مُشابهة، مُتوازية ومُتزامنة في أنحاءٍ مُتفرِّقة، حيثُ بدأت تنشأ تحالُفاتٍ قبليَّةٍ واسعة يتزعَّمُها أُناسٌ يدَّعون النُبُوَّة اقتداء بالنجاح الذي حقَّقهُ النبيّ مُحمَّد، أدّى فيها التطوُّر الإسلامي دور الباعث والمُحرِّك المرتدين هم اول من بدا الحرب ــــــــ بعد مُبايعة أبي بكرٍ بالخِلافة، أخذت الأخبار تردهُ من كافَّة أنحاء شبه الجزيرة العربيَّة عن ارتداد الأعراب بزعامة عددٍ من الكهنة والمشايخ، فبلغه ارتداد بني أسد بِقيادة طُليحة بن خُويلد الذي ادَّعى النُبُوَّة، وبني فزارة بِقيادة عُيينة بن حصن، وبني عامر وغطفان بقيادة قرَّة بن سلمة القُشيري، وبني سُليم بِقيادة الأشعث بن قيس الكِندي، وبني بكر بن وائل في البحرين بِقيادة الحكم بن زيد، وبني حنيفة بِقيادة مُسيلمة بن حبيب الحنفيّ الذي ادَّعى النُبُوَّة. فما كان من أبا بكرٍ إلَّا أن قرَّر التصدّي لِهذه الحركات الارتداديَّة بِالقوَّةِ والحزم، وبخاصَّةٍ بعد وُرُود أنباء عن تحفُّز القبائل لِشن هُجومٍ واسعٍ على المدينة المُنوَّرة وتدمير القاعدة المركزيَّة للدين الإسلامي. ورُبَّما شكَّل الحديث النبويّ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» دافعًا إضافيًّا لاتخاذ هذا القرار. بالإضافة إلى ذلك، كان لأبي بكر موقف من الذين امتنعوا عن دفع الزكاة، وفرَّقوا بينها وبين الصَّلاة، إذ يُنسب إليه قول: «وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ لَقَاتَلْتُهُمْ». والواضح أنَّ أبا بكر أدرك أنَّ الزكاة هي التجسيد الملموس، ورُبَّما التجسيد الماديّ الوحيد، لِوحدة القبائل، وهي العلاقة الوحيدة التي يُمكنُ لها أن تربط فيما بينهم. فكُلُّ قبيلة كان يُمكنُ لها تُصلّي وراء إمامها ويقتصر الحال على هذا، في حين تتطلَّب الزكاة نوعًا من العلاقة المُتبادلة والتنظيم المركزيّ لِجمعها وصرفها. من هُنا أصرَّ أبو بكر على ضرورة استمرار القبائل في دفع الزكاة. لكن قبل ذلك، قرَّر أبو بكر تلبية رغبة الرسول مُحمَّد قبل وفاته، أي إرسال جيش أُسامة بن زيد إلى مشارف الشَّام لِمُحاربة الروم والإغارة على القبائل الشاميَّة على الطريق التجاريّ بين مكَّة وغزَّة. والمعروف أنَّ هذا الجيش كان مُعسكرًا في الجرف، من أرباض المدينة، حين توفي النبيّ، وبويع أبو بكر، فتوقَّف عن الزحف. ويبدو أنَّ أُسامة أدرك حرج موقف الخليفة والمُسلمين في تلك المرحلة الدقيقة التي تتطلَّب تجميع القوى الإسلاميَّة وحشدها، وبِخاصَّةٍ أنَّ جيشه البالغ سبعمائة (700) مُقاتل ضمَّ غالبيَّة المُهاجرين والأنصار ومن كان حول المدينة من القبائل. وأبدى بعضُ الصَّحابة تحفُظًا على إرسال هذا العدد الكبير من المُقاتلين إلى خارج المدينة في ظل أجواء ثورات القبائل والمُرتدين، لكن أبا بكر أبى أن يُخالف وصيَّة النبي،[35] فقال: «والله لا أُحِلُّ عُقْدَةً عَقَدَهَا رَسُوْلُ الله ، وَلَوْ أَنَّ الطَّيْرَ تَخَطَفُنَا، وَالسِّبَاعَ مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْكِلَابَ جَرَّتْ بِأَرْجُلِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، لَأُجَهِّزَنَّ جَيْشَ أُسَامَةَ». ثُمَّ نهض أبو بكر بنفسه في أواخر شهر ربيع الأوَّل سنة 11هـ المُوافقة لِسنة 632م، واستعرض جيشُ أُسامة بن زيد وأمرهُ بالمسير، فنفَّذ الأمر، وخَلَت المدينة في غُضون ذلك، من المُدافعين عنها باستثناء بضع مئاتٍ من المُهاجرين والأنصار. الواقع أنَّ خُروج أُسامة بن زيد إلى الشَّام قد شتَّت القوَّة الإسلاميَّة النامية ممَّا شجَّع الخارجين على مُهاجمة المدينة، فقام طُليحة الأسدي بنشر أتباعه حولها، فأقام بعضهم في ذي القصة شرق المدينة، بقيادة حبَّال بن طُليحة، وأقام بنو مرّة بالأبرق في منازل بني ذبيان وكانوا بِقيادة عوف بن فُلان بن سِنان. وكان بنو عبس وبكر يقفون إلى جانب هؤلاء المُرتدين. ثُمَّ أرسلوا وفودًا منهم إلى المدينة المُنوَّرة ليُفاوضوا أبي بكرٍ الصدّيق على أساس أن يُقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة، واطَّلعوا في غُضون ذلك على الوضع الداخلي في المدينة ممَّا دفع أبا بكر إلى تنبيه المُسلمين كي يأخذوا حذرهم. وأشار بعضُ المُسلمين وفيهم عُمر بن الخطَّاب بِقُبول طلب المُرتدين حقنًا للدماء ومنعًا للحرب، لكنَّهم جوبهوا بموقف أبي بكر الصلب، فأصرَّ على مُقاتلة كُلِّ مُرتدٍّ لا يؤتي الزكاة، قائلًا أنَّهُ سمع من الرسول مُحمَّد قوله: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»، وأنَّهُ لن يخرُج عن ما قاله الرسول. وعاد وُفود أهل الرِّدَّة إلى مُعسكرهم بعد أن رفض أبو بكر طلبهم فيما يختص الزكاة، فأخذوا يُشجعون قومهم على غزو المدينة بعد أن لمسوا قلَّة الجُند فيها وإمكانيَّة دُخولها. وكان أبو بكر مُستعدًا لأيِّ هُجومٍ قد يشُنُّه أهلُ الرِّدَّة فأخذ يُقوّي دفاعات المدينة، وعهد إلى عليّ بن أبي طالب والزُبير بن العوَّام وسعد بن أبي وقَّاص وعبدُ الرحمٰن بن عوف وعبدُ الله بن مسعود، لِحراسة الطُرق الجبليَّة المُحيطة بها، فكانوا يبيتون مع رجالهم خارج المدينة استعدادًا وتأهُبًا. وبعد ثلاثة أيَّام أغار أهلُ الرِّدَّة على المدينة المُنوَّرة ليلًا، وكان المُسلمون بانتظارهم فردّوهم على أعقابهم. ثُمَّ تبعهم أبو بكر أثناء الليل، وعلى ميمنته النُعمان بن مقرن المزني، وعلى ميسرته عبدُ الله بن مُقرن، وعلى السَّاقة أخوهما سُويد بن مُقرن، وفاجأهم عند الفجر ليُنزل بهم الهزيمة ويُولون الأدبار بعد أن قُتل حبَّال بن طُليحة على يد عُكاشة بن مُحصن. ونزل أبو بكر في ذي القصَّة، وكان ذلك أوَّل الفتح في حُرُوب الرِّدَّة. ووَثب بنو ذبيان وعبس على من ثبت من قومهم على الإسلام وقتلوهم انتقامًا لِفشلهم في غزو المدينة، فأقسم أبو بكر على قتل من كُلِّ قبيلةٍ من المُرتدين بمن قُتل من المُسلمين. ثُمَّ عاد أبو بكر إلى المدينة المُنوَّرة، وفي هذه الأثناء عادت حملة أُسامة بن زيد، بعد سبعين يومًا من خُروجهم، وخِلال طريقهم كانوا قد أوقعوا بقبائل من قُضاعة ارتدَّت عن الإسلام، كما أغار أُسامة على أبل في مؤتة وغنم غنائم كثيرة. ثُمَّ خرج أبو بكر في جمعٍ من المُسلمين، بعد أن استخلف أُسامة بن زيد وجيشه على المدينة لينال قسطًا من الراحة. ونزل بالأبرق حيثُ قاتل بني عبس وذبيان وطائفة من بني كِنانة وهزمهم، فانسحبت ذبيان وبني عبس إلى بُزاخة قُرب مكَّة وانضمَّت إلى طُليحة الأسدي، وبعد أيَّام عاد أبو بكر إلى المدينة المُنوَّرة وأخذ يُعد العدَّة للقضاء على حركات الرِّدَّة الاستعداد للحرب ـــــــتــــت بعد أن استطاع المُسلمون بقيادة أبي بكر صدَّ الهُجوم على المدينة، وهزيمتهم لبني عبس وذبيان وبكر بن وائل في الأبرق. أجلى أبو بكر تلك القبائل عن الأبرق، وجعلها لخيل المُسلمين. كما جعل بلاد الرّبذة مرعى للناس، وصدقةً للمُسلمين. وبعد عودة أبي بكر للمدينة، انتظر عدة جيش أُسامة بن زيد الذي ما أن عاد حتى خرج به إلى ذي القصة، ووزَّع جُنده إلى 11 لواء جعل على كُلٍ منها أمير. خصَّ أبو بكر كُلَّ لواء من تلك الألوية بِقتال أحد القبائل المُرتدَّة، وأوصاها باستنفار من يمرون بهم من المُسلمين ليكونوا لهم عونًا في القِتال. جعل أبو بكر من المدينة مركزًا لقيادة جُيوشه، وقد كان أبو بكر قد أمر قادة الألوية بألا ينتقل أحدُهم من قتال جماعة إلى أُخرى حتى يستأذنه. كما أرسل مع كُل لواءٍ منها رسالةً تُقرأ على القبائل قبل قتالها، كان نصها كالتالي: « ، مِنْ عَبْدُ اللهَ بِنُ عُثْمَانَ خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ الله إِلَىْ جَمِيْعِ مَنْ قُرِئَ عَلَيْهِ كِتَابِيَ هّذّا مَنْ خَاصٍ وَعَامٍ، أَقَامَ عَلَى إِسْلَاْمِهِ أَوْ رَجَعَ عَنْهُ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الهُدَى، وَرَجَعَ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالرَّدَى. وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إلَّا اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَه. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، أَرْسَلَهُ بِاْلهُدَى وَدِيْنَ الحّقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُوْن. وَلِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ القَوْلُ عَلَى الكَافِرِيْنَ. يَهْدِيَ اللهُ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَضَرَبَ بِالْحَقِّ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ وَتَوَلَّى. أَلَا إِنِّيْ أُوْصِيْكُمُ بِتَقْوَى الله، وَأَدْعُوْكُمُ إِلَىْ مَا جَاءَ بِهِ نَبِيِّكُمُ مُحَمَّد . فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ فَهُوَ ضَالٌّ، وَمَنْ لَمْ يُؤَمِّنُهُ اللهُ فَهُوَ خَائِفٌ، وَمَنْ لَمْ يَحْفَظُهُ اللهُ فَهُوَ ضَائِعٌ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقُهُ فَهُوَ كَاذِبٌ، وَمَنْ لَمْ يُسْعِدْهُ فَهُوَ شَقِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يُرْزِقُهُ فَهُوَ مَحْرُوْمٌ، وَمَنْ لَمْ يَنْصِرَهُ فَهُوَ مَخْذُوْلٌ. أَلَا فَاهْدُوْا بِهَدْيِ اللهِ رَبِّكُمْ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِيْ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا. وَقَدْ بَلَغَنِيَ رُجُوْعُ مَنْ رَجَعَ مِنْكُمُ عَنْ دِيْنِهِ بَعْدَ الإِقْرَارِ بِالإِسْلَامِ، وَالعَمَلِ بِشَرَائِعِهِ، اعْتِزَازًا باللهِ ، وَجَهَاْلَةً بِأَمْرِهِ، وَطَاعَةً لِلشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ لَكُمْ عَدُوٌّ، فَاتَّخِذُوْهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوَ حِزْبَهُ لِيَكُنُوْا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيْرِ. وَبَعْدُ، فَقَدْ وَجَّهْتُ إِلَيْكُمُ فُلَانٌ فِيْ جَيْشٍ مِنْ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارْ ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ لَا يُقَاتِلَ أَحَدًا حَتَّىْ يَدْعُوْهُ إِلَىْ اللهَ ، ويَعْذِرُ إِلَيْهِ وَيُنْذِرْ، فَمَنْ دَخَلَ فِيْ الطَّاعَةِ وَسَارَعَ إِلَىْ الجَمَاعَةِ، وَرَجِعَ مِنَ المَعْصِيَةِ إِلَىْ مَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ دِيْنِ الإِسْلَامِ، ثُمَّ تَاْبَ إِلَىْ اللهِ تَعَالَىْ وَعَمِلَ صَالِحًا، قَبِلَ اللهُ مِنْهُ ذَلِكْ، وَأَعَاْنَهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَبَىْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَىْ الإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ يَدْعُوْهُ فُلَانٌ وَيَعْذِرَ إِلَيْهِ، فَقَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ أَشَدَّ القِتَاْلِ، بِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَنْصَارِ دِيْنِ اللهِ وَأَعْوَانِهِ، لَا يَتْرُكَ أَحَدًا قَدِرَ عَلَيْهِ إِلَّا أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ إِحْرَاقًا, وَيَسْبِيَ الذَّرَارِيَ وَالنِّسَاءَ، وَيَأْخُذَ الأَمْوَالَ، فَقَدْ أُعْذِرَ مَنْ أَنْذَرْ، وَالسِّلَامُ عَلَى عِبَادِ اللهِ المُؤْمِنِيْنْ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيَّ العَظِيْمِ.» وقد أمر أبو بكر قادته بقراءة هذا الكِتاب في كل مجمع، وأن يجعلوا الدَّاعية الأذان، فإن أذّن المُسلمون، فأذّن الناس كفّوا عنهم، وإلَّا قاتلوهم. تكليف الألوية ــــــــــــ وزَّع أبو بكر ألويته لتشمل كافَّة المناطق التي أعلنت ردَّتها وثورتها على سُلطان المُسلمين في المدينة، فجعل اللواء الأول بِقيادة خالد بن الوليد وأمره بقتال طُليحة بن خُويلد الأسدي وبنو أسد، فإذا فرغ منه سار لِقتال مالك بن نويرة زعيم بني يربوع من تميم. وجعل اللواء الثاني بقيادة عِكرمة بن أبي جهل، ووجَّههُ لِقتال مُسيلمة بن حبيب الحنفي في اليمامة، وجعل اللواء الثالث لشرحبيل بن حسنة وجعله مددًا لِعِكرمة في قتال مُسيلمة، فإن انتهيا منه يلحق شرحبيل بقواته مددًا لعمرو بن العاص في قتال قضاعة. أمَّا اللواء الرابع، فجعله أبو بكر للمُهاجر بن أبي أمية المخزومي لِقتال الأسود العنسي في اليمن ثم لِقتال عمرو بن معد يكرب الزبيدي وقيس بن مكشوح المُرادي ورجالهما ومن بعدهم يُقاتل الأشعث بن قيس الكِندي وقومه. واللواء الخامس فكان لِسويد بن مقرن الأوسي لِقتال تهامة اليمن، والسَّادس للعلاء بن الحضرمي لِقتال الحطم بن ضبيعة زعيم بني قيس بن ثعلبة ومُرتدي البحرين. وكان اللواء السابع لحذيفة بن محصن لِقتال ذي التاج لقيط بن مالك الأزدي الذي تنبأ في عُمان، والثامن لعرفجة بن هرثمة ووجَّهه إلى بلاد مُهرة. كما وجّه ثلاثة ألوية للشمال، فجعل التَّاسع لعمرو بن العاص لقتال قضاعة، والعاشر لمعن بن حاجز السُلميّ لِقتال بني سُليم ومن معهم من هوازن، والأخير كان لخالد بن سعيد بن العاص ليستبرئ مشارف الشام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق