الخميس، 16 أبريل 2020

طارق المحارب..20/11/2018

إعادة نشر ..

قصيدة : ملاعب الصِّبا (حوران)

ودَّعْتُ فيها الصِّبا مُستذكِراً أصفُ
 عُمْراً مضى والصِّبا استذكارُهُ شغَفُ

في مَسقَطِ الرَّأسِ لي خطوٌ غدا أثراً 
حينَ استقرَّ دمي والعُمْرُ يَنعطِفُ

خطُّ الرَّصاصِ معَ الأعوامِ بدَّدَهُ 
عصْفُ الرِّياحِ  فلا خطٌّ ولاصُحُفُ

لكنَّ عهْدي بظهرِ القلبِ أحفظُهُ
لايَبرَحُ القلبَ حتَّى القلبُ ينصرفُ

مرَّتْ على حبَّةِ العُنَّابِ أزمنةٌ
أودتْ بنَضرتِها واستحكمَ العجَفُ

لمْ يبقَ بعدَ الرِّضابِ العذبِ في فمِها 
إلا القُشورُ قُشورُ الجِِلدِ والحَشَفُ

ما عُدْتُ ذاكَ الذي في الصُّبحِ تُوقظُهُ
شمسٌ ولا مَشرِ قي في يَقظتي كَلِفُ

ياءُ السِّنينَ على عينَيَّ جاثمةٌ
هلْ بَعدَ عُمْرٍ تعودُ الباءُ والألِفُ ؟!!

والدَّهرُ في نَضرةِ الإنسانِ هاوٍ بدا
لكنَّهُ في مجالِ اليأسِ يحترفُ

أيَّامُ عمر مضى راحتْ تُودِّعُني
وما يزالُ لديَّ البدرُ ينخسفُ

ألهو بوقتي فما لحَيرتي طُرُقٌ
والدَّهرُ مُستنفِدٌ حظِّي ومُنصرفُ

تأتي السُّويعاتُ كي تقسو بعقربِها
وكلُّ يومٍ أتى كالأمسِ ينقصِفُ

ليتَ الزَّمانَ بما يُخفيهِ يُخبرُني
أوْ أنَّهُ بانتهاءِ  العدِّ  يعترفُ

جئنا وعمرُ الفتى ماضٍ فلافزَعٌ
وإن تعدَّدَ :  كيفَ العمرُ  يُختطَفُ

والعمرُ مادامَ في سيرٍ لمَقبرةٍ
باللهِ هلْ تنفعُ النُّعمى اوِ التَّرَفُ ؟!!

وهلْ لنبعٍ إذا ما الجدْبُ أرهقَهُ
إلَّا النُّضوبُ فكيفَ الدَّلوُ تَغترِفُ ؟!!

يا ساقيَ الطَّيرِ منْ عينٍٍ غدتْ أثراً
سُقياكَ منْ دمعِ عينٍ باتَ لا يَكِفُ !!

ما كانَ عَقْرُ نخيلِ النَّاسِ في خَلَدي
حمْداً ولا مُغرِياً أنْ يُكسرَ السَّعَفُ

ولستُ ممَّنْ عتا كِبراً و لستُ فتىً
مِثلَ الذي رانَ في أحشائهِ الصَّلَفُ

لكنَّني مُثقَلٌ بالطَّعنِ في جسدي
علماً بأنَّ وِئامَ النَّاسِ لي هدَفُ !!

طيفُ الصِّبا قاطنٌ في النَّفسِ يُرجعُها
للذِّكرياتِ وماضٍ حُسنُهُ رَهِفُ

ماضي الطُّفولةِ في حورانَ أذكرُهُ
لا زلتُ طفلاً بهِ يجري ويلتقِفُ

منْ بِيضِ أزهارِهِ .. فاحتْ على هِضَبٍ
أو في سُهولٍ رعتْها الرَّوضةُ الأُنُفُ

يا جنَّةَ الوردِ مذْ كنَّا صغارَ هوىُ
أحلامُنا في هواكِ الطَّلقِ تأتلِفُ !!

حورانُ يا مُشرَبَ الظَّامي ويا غُدُراً
لو عمَّها المحْلُ أعواماً فما تقفُ

وياسِنيَّ صِباً ما عشْتُ أذكرُها
تحتَ الشُّموسِ غذاها اللهوُ والظَّرَفُ

فيهاسرقْنا ملذَّاتٍ لنا صغُرتْ
مثلَ الصِّغارِ صغارِ الحيِّ إذ عسفُوا

والبردُ في كلِّ ظلًّ راحَ يقرصُنا
حتَّى غدَونا غُصونَ الدَّوحِ ترتجفُ

والنّارُ مُوقدَةٌ والجَزْلُ أضرمَها
في سفحِ رابيةٍ حاطتْ بها الجُرُفُ

والماء يجري بوادي السَّيلِ يلمَسُنا
حيناً وحيناً بعيداً راحَ ينحرفُ

تلكَ الرِّياضُ بألوانٍ مُطرَّزةٌ
مذْ جاءَ آذارُ باتَ الوجهُ ينكشفُ

يا خمْلةَ النَّاهضاتِ البيضِ في بلدي
والحُمرِ والصُّفرِ والأسماءُ تختلفُ

عاجتْ عليها حِسانُ الحيِّ تقطفُها
فاستقبلتْ فَوحَها السَّاحاتُ والغُرَفُ

ما سطَّرَ المُلهَمونَ الرَّسمَ مِثلَ فتىً
بأمِّ عَيْنيهِ جابَ المَرْجَ يقتطفُ

باقاتِ وردٍ معَ الإصباحِ نمَّقها
منْ كلِّ لونٍ غدا يحنو ويستلفُ

سنابلُ القمحِ في كلِّ الحقولِ سرتْ
نُوراً ففرَّ الدُّجى والليلُ والسُّدَفُ

يا مَوقدَ الخُبزِ  يا أمّاً تُجمِّرُهُ
ويا رغيفاً بطعمِ الخيرِ يلتحفُ !!

يا أطيبَ الأرضِ أرضاً ..في منابتِها
زيتونةٌ منْ قديمِ الدَّهرِ تزدلفُ

والشِّيحُ والجَزلُ والقَيصومُ برقشها
كأنَّهُ اللؤلؤُ المنثورُ والخَزَفُ

فيكِ الأحبَّةُ ظُهرَ الأمسِ ودَّعَهم
كأسُ الحياةِ فما ذاقوا ولارشفوا

بالقربِ منْ دورِنا ناموا.. ومَسكنُهم
قبلَ القبورِ عيونٌ كلُّها أسفُ

عشْنا وهم قبلَ أنْ نبكيهِمُ حَزَناً
والعينُ مُهْراقةٌ ينتابُها التَّلَفُ

فيكِ العِظامُ على مرِّ العصورِ أتَوا
وتحتَ تُربِكِ جذرُ المجدِ يعتكفُ

هذي القبورُ إذا حيٌّ يُجاورُها
يزهو بها إذ بها الأجدادُ والسَّلَفُ

منْ أمَّهاتٍ لهم يوماً رَضعْنَ ندىً
وما نزالُ من الفِنجانِ نرتشفُ

إنا كرامٌ يُعِزُّ الجارَ ساكنُنا
وصائنونَ ضيوفَ الرَّبعِ ما وَقفوا

بقلمي ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق