السبت، 25 أبريل 2020

"نحنُ الوباءُ وأنتَ يا ملكِ الملوكِ لنا الدواءُ"

قصيدة جديدة : الأسير الفلسطيني  : كميل أبو حنيش

سَنُجَرِّبُ الآنَ التَّداوي بالوباءِ..
فَرُبَّما تأتي المَناعَةُ بالشُّعورِ.. و بالتَّأملِ.. بالحياءِ
لعلَّنا قدْ نرعوي عن غينا..
و نَكُفَّ عن هذا الهبوطِ..
فَكُلُّنا مَرضى الحضارةِ و الزُّحامِ..
و شأننا شأنُ النَّعامةِ و الرِّمالِ..
و لا نُبالي. لا يُثيرُ فُضُولَنا..
أيُّ انزلاقٍ في الوحولِ..
و دونَ أن نَتَعلَّمَ الإصغاءَ للأوجاعِ في أعماقِنا..
من قبلِ أن يجتاحَنا مَلِكُ البلاغَةِ ذا المُتَوَّجُ بالرؤوسِ..
يَمِدُّنا بدُروسِهِ..
أعمى يَسيرُ لِوَحدِهِ..
لا يفهمُ الطَبَقاتِ و الجيناتِ.
و البُلدان و الألوانِ..
يَختَرِقُ الحُدودَ..
قَدْ نَراهُ و لا يَرانا.
لا يَكَلُّ عنِ التقدُّمِ للأمامِ.
*********************************************** 

يَأتي إلينا كيْ يُعَبِّئ وَقْتَنا..
فَنَخِرُّ من جَزعٍ
لِنَصْغَرَ بائسينَ..
بِلا كلامٍ و لا عناقٍ
و لا دخولٍ و لا خروجٍ
و لا صُعودٍ و لا هُبوطٍ
و وَحدَهُ هذا المُتَوَّجُ سَيِّدٌ مُتَرَبِعٌ من فَوقِنا..
فَنَفِرُّ خَوفاً بائسينَ و عاجِزينَ
و لمْ تُشارِكَنا الطَّبيعةُ سِرَّها....
يا صاحِبَ التِّيجانِ يا مَلِكَ المُلوكِ.. و سَيِّدَ الدُّنيا..
و قَاهِرَ كُلَّ أرتالِ الجيوشِ
و حاملاتِ الطَّائراتِ 
و قاهِرَ الآلاتِ و العِلمِ الحديثِ
فَقُلْ لنا: من يُمسِكُ الآن الزِّمامَ؟؟

يا ذا المُتَوَّجُ قِفْ قليلاً..
قُلْ لنا مَن أنتَ؟؟
كيْ نَعرِفَ هَويَّتَنا المَريضَةَ من مَراياكَ الصَّقيلَةَ
من بعدِ ما جَرَّدتنا من صَوتِنا و سِلاحِنا و كِسائِنا
و حَياتِنا و عُلومِنا وسَنائِنا
من مَالِنا و عَتادِنا و مَجيئِنا و ذَهابِنا
من فَخرِ ما صَنَعَتهُ أيدينا المُصابَةُ بالوباءِ
و فَرَضْتَ مَجدَ حُضورِكَ الطَّاغي عَلينا
مَن أنتَ كيْ تأتيْ و تَمنَعَنا مِنَ التِّجوالِ
و القفزِ السَّريعِ إلى الجِّهاتِ السِّتِ 
و تُميطَ عن عَوراتِنا أسمالَها
حَوَّلتَنا بشراً صِغاراً تافهونَ..
و عاجزونَ..
ضَرَبتَ كلَّ غُرورَنا..
يا ابن الطَّبيعةِ..
يا حَفيدَ السِّلِّ و الطَّاعونِ و الكُوليرا..
يا مَن دَأبتَ على زيارتِنا..
و غَزوِ حياتِنا..
تِسعونَ قَرناً أو يَزيدَ من الحضارةِ
لم تُعَلِّمَنا التَّواضًعَ و الوَقارَ..
مِن أيِّ عالمٍ جِئتَنا؟؟
لِنَخِرَّ من جَبَروتِكَ الطَّاغي
و تُلقي فَوقَنا عن ظِلِّكَ المَشئومِ..
و تَنشرَ الموتَ الزَؤامَ..
 لا شَماتةً.....
كُلُّنا في الهَمِّ من طينٍ و دمٍ
كُلُّنا بشرٌ يُوحِّدُ بيننا هذا الوباءُ
فَوَحدَهُ مَن يَملِكُ المفتاحَ للماضي البعيدِ
و وَحدُهُ من يَصنعُ الإنصافَ فيما بيننا
و يُعيدُ للتذكيرِ فيما أودعتَ فينا 

الطَّبيعةُ سِرَّها
من قبلِ أن تأتي الحضارةُ 
كي تُفَرٍِقَ شَملَنا
هذي الحضارةُ
لم تُهذِّبنا لنَحترم الطَّبيعةَ و..الدَّهاءَ
لدى الجراثيمِ الدَّقيقةِ
لم تُعَلِّمنا الحضارةُ كيفَ ننجو
من وباءِ ذواتِنا 
أو كيفَ نَحترِمُ العَدالةَ
في الحياةِ و في المماتِ
و في البدايةِ و الخِتامِ
وَحدَهُ الآنَ المُتَوَّجُ
وَحدَهُ يأتي ليُلقي دَرسَهُ:
أصغوا إليَّ فَكُلُّكُم عِندي سَواءُ
لا غَنيَّ و لا فَقيرَ
لا كَبيرَ و لا صَغيرَ
و لا زَعيمَ و لا خَفيرَ
و لا حُدودَ و لا جِهاتَ
كُلُّكُم عِندي سَواءُ
آتي إليكمُ كُلَّ قرنٍ أو يزيد
لكي أزاوِلَ مهنتي
من بعدِ أن تتعفَّنوا ...
أنا من أجيءُ  لكي أدوسَ غُرورَكُم
فَلتَهزِموني ما استَطَعتُم
أنتم غُبارٌ بائسونَ
لا تَملِكونَ من الحياةِ سوى اسمها
بل عاجِزونَ عن الحياةِ
قِفوا أمامي صاغرينَ
تَذَكَّروا أفعالَكُم
تَتَقاتَلونَ... تُدَمِرونَ.. و تَسلِبونَ..و تَنهَبونَ
تُلَوِّثونَ.. تُخَرِّبونَ..
حُروبُكم قد أزهَقَتْ أضعافَ ما حَصَدَتْ جُنودي..
و الجُّوعُ ..
داءُ القلبِ... داءُ الفقرِ
داءُ القمعِ.. داءُ القهرِ...
داءُ الظّلمِ
تَقتِل كلَّ يومٍ منكُم 
أضعافَ أضعافَ
لما حَصَدَتْ جُنودي
و أصدقائي (المالتوسيين ) من أسيادِكم
لطالما ضرعوا
إليَّ لكي أجيء على الدَّوامِ
حتى يَظَلَّ وباءُهُم يسري على مرِّ العُصورِ
آتي لكي تتعلَّموا أنَّ الوباءَ ....بعصرِكم :
موتُ الضَّميرِ
أنَّ الوباءَ مُعَشعِشٌ برؤوسِكم و قُلوبِكم
و سِلاحِكم.. و غِذاءِكم.. و علومِكم
و قُصورِكم..آلاتِكم.. أموالِكم.. أسواقِكم
فَتأدِّبوا في حَضرَتي 
و تَعَلَّموا فَنَّ التَّواضُعِ و الوِئامِ
و تَعلَّموا أنَّ الشُّذوذَ عن الطَّبيعةِ و الحياةِ
هو السُّقامُ
****  
أهلاً و سهلاً فيكَ يا مَلِكَ البلاغَةِ و الكلامِ
أرفِقْ بنا يا سَيِّدي و تعالَ دوماً 
كي نَكُفَّ عن الحروبِ 
و كي تُعَلِّمَنا المُروءَةَ و السَّلامَ
إدنو قليلاً من حَضَارَتِنا المَريضَةَ
كي نُحِسَّ بِبَعضِنا
و تعالَ كي نَلعَنكَ من يأسٍ
و نَلعَنُ نُفُسَنا
و تعالَ كي نَتَعَلَّمَ الخَجَلَ المُهيبَ
لأنَّنا نحبوا أمامَكَ صاغِرينَ
و مُعلِنينَ الطَّاعَةَ العَمياءَ
و تعالَ كي نُعلِنَ ولو مِن خَوفِنا
أنَّا نُحِبُّكَ كُلَّما استعصى
عَلينا الحُبُّ في زمنِ التَّزاحُمِ و الخِصامِ
و كُلَّما استعصى عَلينا الفَهمُ و التَّمييزُ
ما بينَ الحلالِ او الحرامِ
و كلما اشتَعَلَ الحَنينُ إلى زمانِكَ
فَتُعَلِّمُ الأطفالَ عن فشلِ الكبارِ
و تُعَلِّمُ التُّجارَ كيفَ يشيِّدوا 
فرعاً جديداً للتِّجارةِ
في الوباءِ
و يُكدِّسوا الكَسبَ السَّريعَ مِن الكوارثِ
و الجّوائحِ و الزُّكامِ
و تعالَ كي تُملي شُروطَكَ 
هاكَ مِنّا ورقةً بيضاءَ
بها إمضاؤنا نحنُ الجّميعَ
و اكتُبْ عليها ما تُريدُ
و أعلِن علينا الإنتصارَ
مِن قبلِ أن يَقِفَ الكِبارُ ليُعلِنوا
عن نَصرِهم مُتَبَجِحينَ
ليَستروا عوراتِهمْ
أملي شُروطَك
قبلَ أن يَقِفَ اللُّصوصُ و يَشرَبوا الأنخابَ
قبلَ أن يتسابَقوا في الإحتفالِ
و يسمعونَ خِطبةً عَصماءَ
في فنِّ السِّياسةِ و الدَّجَلِ
و عن الأُخُوَّةِ و العدالةِ و المَحَبَّةِ و السَّلامِ
أملي شُروطَك قبل أن تمضي
و يَنتَصِرَ اللِّئامُ
و لا تُصافح ظِلَّنا ..
كي لا تُصاب بدائِنا
نحنُ الوباءُ.. و أنتَ يا مَلِكَ المُلوكِ
لنا الدَّواءُ
فلا تَكُفّ عن المجيء
لكي نُحَدِّقَ في مَرايا ذاتِنا 
و نرى الوباءَ يمورُ في أعماقِنا
فنَكفَّ عن صُنعِ الحروبِ.. و لو قليلاً
و نُخَصِصَ المالَ المُكَدَّسَ
للدَّواءِ و للغَذاءِ
و أملي شُروطَكَ.. ثُمَّ غادِرْنَا
لنَحيا من جديدٍ
لعلَّنا نُشفى من الجَّشعِ المُخَيِّمِ
في دَواخِلِنا المريضَةَ
رُبَّما نُشفى مِنَ العارِ الذي ينتابُنا
و لعلَّنا نَصحوا ولا نَبقى طويلاً
غارِقِينَ بِرَملِنا مثلَ النَّعامِ
و سائرينَ لحَتفِنا مثلَ الغمامِ...

بقلم الاسير الفلسطيني كميل ابو حنيش ..
سجن ريمون الصهيوني
25/4/2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق