. قبس الخلود
للشاعر السوري. : أحمد السيد
عودي فقد جثمَ الفراقُ طويلا
و الصبرُ ضجَّ و إنْ صبرتُ جميلا
و بكتْ لأشجاني الحمائمُ شاقَها
قلبٌ إذا غنّى يهزُّ طلولا
و أَمَا و وجهِكِ و هْوَ عندي آيةٌ
ما اعتضتُ عنكِ و إن جفوتِ بديلا
لَأظلُّ أسري العُمْرَ وصلُكِ مُنيتي
حتى و إن كان الحِمامُ سبيلا
شِيَمٌ رَضَعتُ لِبانَها من أمّةٍ
تَروي بغُرِّ المَكْرُماتِ غليلا
الحُسنُ لا عينٌ رأتْ و أصوغُهُ
لحناً فهل سمعَ الزمانُ مثيلا ؟!
يا بنتَ يعربَ مَنْ أبوها حاتمٌ
جودي فديتُكِ ما أبوكِ بخيلا
تتمنّعينَ فلا أرى من عزّتي
ألّا أُطأطئَ في الغرامِ ذليلا
و لَأنتِ أعلمُ أنّني من دوحةٍ
مدّتْ على هامِ النجومِ ظليلا
الكونُ أصغرُ من طموحيَ إنّما
لا أبتغي إلّا إليكِ وصولا
عاصرتُ عصرَ الجاهليةِ باحثاً
عمَّنْ يُعينُ فما وجدتُ أصيلا
خُشُبٌ يقالُ لها سيوفٌ فِريةً
طُليَتْ بمكياجِ النفاقِ طويلا
و فوارسٌ ورقيّةٌ ما أسمعتْ
يوماً صهيلاً في العُلا و صليلا
يتصارعونَ على الفُتاتِ و بأسُهم
بينَ الأشقّةِ مُغرقٌ تقتيلا
الغزوُ بينهمُ كأنَّ يدَ الفتى
بترتْ لهُ الأخرى فناحَ عليلا
و لهم بأقدامِ الغزاةِ صبابةٌ
مترهّبينَ أمامَها تبجيلا
تبّوا غساسنةً مناذرةً و في
عبسٍ و ذبيانٍ ترونَ مثيلا
ورثوا الطوائفَ صاغراً عن صاغرٍ
يتبادلونَ فراقَهم تقبيلا
يتفاخرونَ و في السريرةِ أمّروا
فُنْسو و باعوا التاجَ إيزابيلا
و إن استغاثتْ أختُ عمّوريّةٍ
ثاروا و خاروا مُثقلينَ خمولا
و من العظائمِ أنّهم قد حرّروا
أحياﺀَهم من أهلِها تقتيلا
و تصرّفوا في كلِّ مغتصَبٍ مضى
حتى أعادوهُ لنا تمثيلا
و تبادلوا الأنخابَ كأساً شابَها
دمعُ اليتيمِ ففُضِّلتْ تفضيلا
قمْ يا أبا حفصٍ فتوحُكَ تشتكي
و تشقُّ صرختُها الوجودَ عويلا
لو أنَّ شاةً في العراقِ تعثّرتْ
لوقفتَ عنها عندَهُ مسؤولا
و اليومَ قد عثَرَ الأُناسُ و أصبحوا
رهنَ الذئابِ الضارياتِ شُكولا
أينَ الحليبُ ؟ لعلَّهُ أسطورةٌ
هتفَ الصغيرُ على الحصيرِ عليلا
فقدَ المُعيلَ و ليسَ ثَمَّ سوى لهُ
أمٍّ ستسقيهِ الجفافَ ذبولا
كلُّ النوائبِ حاصرتْهُ و أمعنَتْ
و بمجلسِ الخوفِ الضميرُ اغتيلا
حِيكَ القرارُ شريعةً وحشيّةً
مثْلَ البغيِّ تجمّلتْ تجميلا
و عيونُ عيسى في منافيها شكتْ
عهداً لمن جَزَرَ الشعوبَ وبيلا
يبكي معَ الأطفالِ يلعنُ قاتلاً
و يمدُّ رحمتَهُ تُظلُّ قتيلا
و اسمعْ بيعربَ : يالَتغلبَ أينَ مِن
حمدانِها سيفُ السيوفِ صقيلا ؟!
ما كَلَّ عن درﺀِ العداةِ فمَنْ لنا
ليردَّ كيدَ الظالمينَ كليلا ؟!
يا لَلحسينِ و يا لَثورتِهِ التي
لا تمّحي في الخالياتِ فصولا !
يا لَلّواﺀِ بكلِّ أروعَ خافقاً
في السامقاتِ مرفرفاً مأمولا!
إرثٌ لأمةِ ثائرينَ توضّأتْ
بالشمسِ و امتطتِ الإباﺀَ خيولا
💥💥💥
يا منجزَ الآمالِ يا بْنَ حضارةٍ
صانتْ كتابَ اللهِ و الإنجيلا
يا مِسعرَ الهيجاﺀِ مشعلُ عزةٍ
بيديكَ يأبى ذلّةً و كُبُولا
ذكّرتَ أمّتَكَ التي نامتْ على
زيغِ البصائرِ في المصائرِ جيلا
جيلَ الفتوحِ : أبا عبيدةَ ماضياً
و ابنَ الوليدِ مهنّداً مسلولا
ذكّرتَها سعداً يقودُ جحافلاً
أذكى المُثنَّى عزمَها المفتولا
و أعدتَ للدنيا قتيبةَ مثلَما
قُطُزاً يصدُّ من المغولِ سيولا
و على سدودِ الليلِ نَدْباً طارقاً
غرباً ليفتحَ بالشموسِ عقولا
و بِمَنْذَكرْتَ مكفّنينَ يؤمُّهم
ألْبٌ بقلبٍ لا يهابُ مَهولا
و قفوتَ إبراهيمَ أذعنَ راضياً
للهِ كيما ينحرَ اسماعيلا
لولا فداﺀُ العرشِ علماً أنّهُ
أصلٌ سيثمرُ في قريشَ رسولا
لَمضتْ بإسماعيلَ مُديةُ ربِّهِ
و لزلزلَ الفقدُ الجليلُ خليلا
فوفيتَ حينَ نذرتَ شِبلَكَ للفدى
علَماً تعالى للخلودِ رحيلا
فإذا أُصِبتَ فلستَ أوّلَ ماجدٍ
مَهَرَ الحبيبةَ قلبَهُ المتبولا
يكفيكَ أنكَ جئتَ عصراً ميّتاً
فجعلتَ منهُ على الحياةِ دليلا
لو كنتَ جيفارا لأطنبَ معشرٌ
فقدوا إلى معنى الوجودِ أصولا
يجدونَ أفعالَ الغريبِ عظيمةً
و أجلَّ أمجادِ الشقيقِ ضئيلا
أكبرتُ نبلَكَ أن تخيّبَ نظرتي
في صدقِ معدنِكَ النفيسِ بديلا
لا تقتدِ المتشنّجينَ جهادُهم
هدمٌ و قد عقدَ الشقاقُ حُلولا
كانوا فصاروا كالتي نقضتْ و لم
يرعوا إخاﺀً مُنْزلاً تنزيلا
كنْ في اغترابِكَ غيرَ ما ترجو العِدا
نسراً منيعاً بالفخارِ كفيلا
يا وجهَ سيفِ العزةِ القرمِ الذي
ولّى و عادَ لكي يقودَ فحولا
ليؤمَّ غضبةَ عصبةٍ لا تنحني
إلا لجبارِ السماﺀِ جليلا
فهُمُ الأعزّةُ بأسُهُ يمضي بهم
و هوَ الأعزُّ بذا العرينِ رعيلا
بالطائراتِ عدوُّهم متحصّنٌ
و بلحمِهم يتقدّمونَ نُصولا (1)
ذلَّ الجبابرةُ الخنازيرُ الأُلى
نثرتْهمُ الأبطالُ ثَمَّ فلولا
و الشعبُ حقّاً طيّبٌ أزرى بهِ
دبٌّ تلا دبّاً يسوسُ ثقيلا
قتلَ البغيضُ بهِ بكلِّ بلادةٍ
حُبَّ الحياةِ و كانَ قبلُ نبيلا
كانوا رؤوساً كالنجومِ و بعدَها
قد أصبحوا للمستبدِّ ذيولا
الثلجُ ذابَ و ما رأينا تحتَهُ
جَدوى سِوى عظمٍ يلوحُ هزيلا
لا يوقنونَ بأنَّ همّةَ ضيغمٍ
آلى تزلزلُ طامعاً و دخيلا
و الغارُ إن نالتهُ هامةُ فيلقٍ
فبعزمِ ميمونِ النقيبةِ نيلا
و إذا انثنى دونَ المنى فلَرُبّما
ينبو الحسامُ مع الهمامِ قليلا
فالنصرُ ليسَ بأنْ تحقّقَ كلَّ ما
تصبو إليهِ محصّلاً تحصيلا
بل أن تظلَّ بكلِّ خطبٍ شامخاً
و تجولَ في ميدانهِ و تصولا
فإذا كُسرتَ و ما استكنتَ فلا أسىً
أنتَ الكريمُ و إن فقدتَ جزيلا
فاعرفْ لمؤتةَ زيدَها متفانياً
و ابنَ الوليدِ بها يكرُّ قفولا
صنوانِ فدَّى بالدماﺀِ مُقدَّمٌ
و أخوه فدَّى بالدهاﺀِ قبيلا
•••
ما كنتُ ألهجُ بالمديحِ و إنما
عرشُ القصيدةِ يبتغي إكليلا
و من البطولةِ ما يرفُّ على المنى
فعلاً جميلاً كالخيالِ ذهولا
غاصوا وحولاً في الوحولِ فأجهشوا
و تجمهروا حولَ الطبولِ طبولا
و لقد وجدتُ الشعرَ و هْوَ مجسَّدٌ
فنهضتُ أقتبسُ الخلودَ قؤولا
--------------------------
(1)- هكذا في غزة .
صنعاﺀ : شباط ( فبراير ) 1996م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق