الأربعاء، 20 نوفمبر 2019

غزة بعيون عراقية 
( ملحمة شعرية )

مقدمة القصيدة
***
نجمةٌ فضية
تحمل غصتها 
في صمت الغروب
والدوالي تستحمُ 
في فيض دموعها
إذا أينعتْ الكروم
وتوهّج الربيع 
في صمت الدروب
***
أكتبُ عن غيداء بهية
تبثّ هواها
قبل أن تنطق المنى
بما تريد 
الغيمُ لا يهجر الأفق
في سماها
وإن شاءت علا فضاها
صحوٌ مجيد 
وكل ما تريد ،
أن تبقى النذور ... الحجارة 
وشماً على ساعديها
يلمّ رؤاها
وأن يهجر المدى تنكيد
***
قلبي يرفّ إليها ،
صبحاً وعشية
(أرسمها من صحائفَ مجدٍ)
ونفح باقاتٍ ندية
أبثّ عيوني ، أحثّ نجومي
لغزة التي أرضعتني
حبَّ الشعر والأدب
قد كنتُ في حومها
(كالنار في الحطب)
صرتُ لا أستجلب
إلا من كلِّ ريح عيونها
أتقصى رحلة الغضب
بين مصر وبغداد وحلب
فارساً يشبُّ 
في أرض العرب 
يشتدُّ في حلباتها
يوقدُ من نبضه ناراً 
على صهيون 
في كل زقاقٍ ودربْ
***

القصيدة
(1)
هذي حكاية ظبيةٍ
أبحرت من كل ساحلْ
تقهر الأمواج
تهزّ أسوار المدينة
تفتح الشبابيك الحزينة
على آمال فتية
تشرئب قامات الحروف
في قصيدتها
أشرعةً ومشاعل ، 
تسابيح جداول 
أرتّلها كلما أرتدتْ صحواً
حد الشموخ والكبرياء 
كلما تعلّق جبينٌ بالضحى
ومدّ أشرعة الهوى
مجداً سخيّ العطاء
نحو ضفافٍ سمراء 
أعشقها كأغنيات الفجر للحقول
صرتُ لا أطرب إلا حين
تجعل الموتَ يرقب ميعاده
في عيونِ كل غاصب ومحتل
أكتبُ عنها الأسفار
وقد علّمتني المحنُ
إذا عصفتْ بداري 
فإن لهيب الحزنِ
تستحمّ به النصول 
شرقية كانت الرياح 
أم غربية 
(2)
قد استخرتُ الله 
في صفصافةٍ هاشمية
تشبّ بقامتها سروة عصية
أبرمتْ عهداً مع العواصف
تغمرها بأحضان وفية 
شربَ القيدُ من يدها دماً
يزهو على الثرى
أنغاماً شجية
(3)
قد استخرتُ الله
في صبية
يحترق الدمع في مقلتيها
ينام الغبار على وجنتيها
(تشتكي من نهمٍ
في عيون الذئاب )
عويلاً يعوي في كل نابْ
ألف ذراع يحصدها
(ألف عرق اشتهاءٍ
يستبيح دمها )
(جاءت تمشي على استحياء)
فاتكأتْ على حلمٍ يراودها
عبر الشجون يتألقْ
تعاهده نصلاً
على المحتل يُمشقْ
كلما تربّعت على عرشها
عذاباتٌ شقية 
(4)
رأتْ فيما يرى النائم :
دروبا تبكي ، 
وأخرى تضحك ، 
صحراء تمدّ جناحيها
شهباً وسهاماً ترشق
شهقات الرياح تراودها
تُلهب وهجَ الليل
ناراً تأنق
على كل منعطفٍ 
صبحاً إذا تأججت 
أو عشية
(5)
باسمها المحفور
في قلبي
أختم الألواح العراقية
بمدادٍ من دمي
أكتب أسطورة غزة العربية 
بحروفٍ لم يُدنّسها تتري
يتوارى خلف التمثال الزائف
تمثال الحرية
(6)
قد أستخرتُ القلم والبندقية
باسمها المحفور في ذاكرتي
أظل معتصما بغضبة الأيام
متوثباً في كل برية
( 7)
سأرسم لغزة الفتية
ورداً يستفيق 
من فوهة بندقية 
(ومن شهقة سمراء 
لا تخشى المنية)
ستمضي إلى قفارٍ 
تنبت شعلاً
تلوي رقاب الشر
في ميادينها عنوةً
تلمحُ في فرحة الثغر 
لمعَ السيوف الردينية
(8)
من صرخةٍ تؤذن 
في فجر أمتي 
سأحمل ثقل غصتي
أسأل الذين يمرون كل عشية
عن تغريبة الخيل الفتية 
في مراعي الدهشة الخضراء 
هي فرس مجنحة 
تطوف سرير الأفق 
تومض برقاً ، تتحرى طيفاً
(ما تراءى لها خطفا)
يلد حروفا 
تمتد عبر الضفافْ
أسوداً بعضها فرادى
وبعض مثان
بين طنجة واللاذقية 
(9)
حين تهاوى الأعراب ذلاً
رأيتَ فارسها
يشبّ بقامة عصية
عاشقا يبثّ هواه
تستحمّ الخيل في رؤاه
(مرة يناجز الصقور حومها)
مرة مع البيارق 
يشرئب في زهوه
فعاودته حطين يترع زهوه
وهبّ المعتصم يبارك خطاه
يتوهّج في عينيه
عسل الغابات 
وشوق النار الأبدية 

( 10)
هذي بيداؤها عادت
في دناها تترى
(مواسم خصب جذلى)
يا سماء غزة
جودي بغيثٍ حيثما شئتٍ
يا أخت الفراتين ، وإنْ بعدتِ
(ما بعدتِ عن الرشيد
وما أحتجبتِ )
كل المسافات أطياف عزٍّ
ترفّ في إثر أطياف
حروفٌ تتقصى الشفاه
تنبتُ أجنحة في الفجر 
تطرد أزمنة الصمت 
تمحو طينة الموت 
وشوك الابدية
تصوغ الرماحَ دفئاً لأغانينا
تُنبتُ الرياض شوقاُ للأرض 
في بوادينا
ترسم رقصات عرس
للصبايا في مراعينا
وأنا ما زلت أطوف
على الزهور 
أضم لها باقات ندية 
***
نشرت القصيدة لأول مرة عام 2007  وتم تحديثها 2019

عبدالوهاب الجبوري 
العراق في 2019/11/17

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق