الأربعاء، 27 نوفمبر 2019

أشجانُ الخريف،
     قراءة تحليلية بقلم الناقدة الأدبية الدكتورة: مليكة بوصوف.. المغرب. 
     *     *     *     *     *
     أشجان الخريف:
             حوار: شاعرٌ والروح. 
        بقلم بحر الشعر: 
          د.  داغر أحمد. 
               سورية.         
  
=======%======
     الريحُ تعصفُ في الجداولِ، والفصولْ:

     تتوسَّدُ الجسدَ المحطَّمَ،،، والخريفْ:
     ينثالُ أشعاراً مواسيةً
     تُعابثُ في قرارِ النفسِ
     ماتحوكُ النفسُ من شجنْ. 
     وأنا المرمَّدُ
     لستُ أملكُ غيرَ أشلاءِ الرغيفْ. 
     نصفٌ لأهلي الطيبينَ
     ونصفها الثاني لأشجانِ الخريفْ. 
     *     *     *     *٠
     الروحُ ظمأى والشتا على وَهَنٍ ودغدغةُ الربيع 
     فعلامَ يانفسُ اللوابَ
     وبسمةُ الينبوعِِ فاضتْ
     كي تروّي برؤى الآمالِ آفاقَ الحقولْ .؟ .

     *     *     *     *
     جسدي تناثرَ في بقاعِ الأرضِ تذروهُ الرياحُ
     فعلامَ يانفسي الغريبةَ والبعيدةَ
     عن رحى جسدي يُرَوِّعكِ الصباحُ ؟
        *     *     *     *
     قالتْ:
      أنتَ ياذا الصوتُ الغريبُ
      لكَ الأرضُ و الدودُ والغيومْ
      وليَ ياهذا المشتري وما خلفَ النجومْ.
 
          *      *     *     
      قلتُ يانفسُ:
        ألا يشدُّكِ الحنينُ  إلى مروجٍ في الصباحْ. 
      عنْ سمائينا تغسلُ صدأ الهمومْ .؟
      ليَ يانفسُ قلبٌ :
          شطرٌ قد تلاشى في الظلامْ. 
        وشطرٌ في خريفِ العمرِ يشعُّ ضوءاً كالنهارْ .

          *     *     *     
      أبتْ .. صارعتني فصرعتني
      كبلتني
        من جديدٍ سجنتني بينَ أنيابِ الفصولْ .

          *     *     *     

  ومرَّ بالعمرِ اصفرارٌ
                حلَّ الخريفُ
  قلتُ يانفسُ:
          كفى عذاباً..أنا المحروم
  عودي بي. 
          إلى كوخي وأهلي والمزار.. 
  خذيني إلى كوخٍ على سفحِ مفترقٍ
  أستحمُّ بنهرِ الأماني.. 
          أشمُّ روائحَ المدار.. 
  إلى حلمٍ تشعَّبَ..إلى أملٍ
  كالشمسِ عندَ الشروقِ
  ترسمُ في الآفاقِ
            اخضرارَ النهارْ. 

     *     *     *     *

  اغرسيني في دوحِ المحبَّةِ
                  وقتَ المساءِ.. 
  في أيكةٍ بيضاءَ.. 
          أورقتْ فيها أعشاشُ القمر
  بينَ قطراتِ الندى.. تحتَ الظلالِ
  هناكَ أنشدُ الأشعارَ..
  هناكَ أشطرُ الرغيفَ
  يُنِيرني الخريفُ
            تحتَ أفياءِ القدرْ.

     *     *     *     *

  فأجابتْ :
     لا.. وألف لا.. هذا محال
  أنتَ ستبقى، ياأنتَ،غريبا
     ذرَّةَ رملٍ تهيمُ مُشرَّدا
     بعيداً عن ضوئي.. مسافاتٍ
     عنْ توهُّجِ الظلالِ
     كبعدِ الجسدِ عن تلكَ الظلال.. 
     فأنا مذْ غسلني الصباحُ
     صرتُ للمشتري التوأمَ..
     عمرٌ لا ينتهي
     ونورٌ لا يغيبْ. 
  ياأنتَ :
     الأرضُ والأشجانُ والضبابُ
     لكَ جسدٌ، عشقٌ، قيودْ. 
  ياهذا:
     إني أعشقٌ شعاعاً
     قد ولدَ من شعاعْ
  فهلْ لهوايَ ،ياهذا،  حدودْ.؟!

     *     *     *     *

  قلتُ:
     اتئدي يانفسُ اتئدي
     هاهي الريحُ
            تعصفُ في الجداولِ والفصول
  عودي إلى تلكَ الشواطئِ
              ذا أنا المهزوم
  لكِ من جسدي الضياء
  وليَ يانفسُ أشجان الخريفْ.

     *     *     *      *

  عودي إليَّ لتنثريني
          في الضحى.. 
          عندَ الأصيلِ..
          وقتَ الفروبِ
  إضمامةً من قمحِ أهلي في البيادرِ
  حيثُ تنشطرُ الروائحُ في ربيعِ الخبزِ:
             ربعها نسغٌ لأهلي الطيبينَ
             ونصفها لكِ يامعذبتي
             وباقيها لِأشجانِ الخريفْ.

     *     *     *     *

  غضبتْ عليَّ فجففتني
          صيرتني ريشةَ المحرومِ
  لابلْ طيرتني في متاهاتٍ بعيدةٍ
  عن محيطي.. عن رياحي.. 
  فبنيتُ زورقاً في شتاءاتِ الأحلامِ
          أضلاعهُ جسدي
          مجذافهُ قلمي
          بحارهُ بلا  شطآن
   ما زالَ يحملُ،بينَ مدٍّ وجزرٍ،
                 أشجانَ الخريفِ
  والروحُ تضحكُ، تهزأُ مثلَ قرصان.. 
  ما خافَ البحرَ يوماً
          ..لا  ولا عصفَ الرياحْ.

     *-----*-----*----*-----*
  قرائي الكرام: هذا الموضوع لم يطرق شعراً من قبلُ، شكلاً وفي المضمون. أشكركم. 
         بقلم بحر الشعر: 
          د. داغرأحمد.   
             سورية. 
 -----------------  قراءة تحليلية بقلم الدكتورة:
                مليكة بوصوف.
  أستاذة النقد الأدبي في جامعة فاس في المغرب. 
           *     *     *
بسم الله الرحمن الرحيم 
يسعدنا أن نقدم لكم الليلة روادنا الكرام قراءة تحليلية لقصيدة بعنوان
            أشجان الخريف:
للشاعر: د. داغر  عيسى أحمد...فمن هو داغر عيسى أحمد؟
هو شاعر سوري ولد سنة1945 ..عمل أستاذاً بسوريا والجزائر لمدة أربعين سنة ..له مجموعة دواوين نشر منها أربعة هي: 1-وينبلجُ الصباحُ  نورا..2.- تراتيل الخربف .3- الزاجل العاشق  4.-قطراتٌ لا صدى...
كتب الشعر منذ صباه ولايزال يكتب حتى الآن وله معه قصة عشق لمدة 60 سنة. 

من فوق صرح أيامي وعلى عتبة إلهامي وقفت أرقب برجك العالي وأتساءل:كيف خريفه لم يخطر على بالي بآهاته واصفراره وشجونه ....يقف عنوانا لمولود ٍأبى إلاأن يكون مرتعاً لأقلامي......
((شجون الخريف)):سأقف عنده لاسبر أغواره وأعرف أسراره ...الشجون جمع شجن ..حزن وكآبة تتذيل في خيبةحضرة ربيع مضى أنهكه الصيف بحرارته وأضناه الخريف برياحه وقساوته فأصبح الشجن شجونا يخبرنا بأن الآتي هو أمرُّ..  لهذا تقدم الجملة الاسمية التي أصلها مبتدا مقدر  قد يكون ضمير بمعني "هي" أو اسم إشارة بمعنى" "هذه"
 ويكون الخريف هو سبب هذه الشجون ....والجملة الاسمية في الشعر يكون لهادلالة قوية أكثر من الجملة الفعلية التي تكون أقوى في السرد والرواية...
والخريف هنا قد يكون فصلاً من فصول السنة  أو يكون دالاً على خريف العمر أو خريف القلب  والدلالة واحدةهي النهاية...
والنهاية تكون دائما مؤلمة وذات شجون....
قد يتساءل المتلقي عن سبب إطنابي في قراءة العنوان
وجوابي هو أنني أعتبر العنوان هو عتبة النص ويلخص مضمونه ..والمثل يقول ((يقرأ الكتاب من عنوانه))......نعم إذا تصفحنا القصيدة فستلفت نظرنا أول كلمة فيها وهي تيمة الريح وكما هو معلوم فتيمة الريح تختلف عن تيمة الرياح..الرياح تبشر بالخير أما الريح فهو نذير شؤ م قال تعالى في الريح:((واما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية))كما انه سبحانه قال في الرياح:((وجعلنا الرياح لواقح))
فالريح إذاً تنذر بالشؤم وتعصف بالأخضر واليابس لهذا بدا تشاؤم الشاعرمن أول كلمة كتبها في قصيدته تليها كلمة يعصف .والجسد المحطم.. والخريف تعابث في قرارة النفس
حياكة الشجن.. أنا المرمَّدُ ..أشلاء الرغيف.. إلى غير لك من التيمات التي تعني التذمر واليأس  والتوهان خلف مكاره الحياة وضغوطاتها وتمرد النفس وطموحاتها التي تفوق قدرات صاحبها المغلوب على أمره..فهو يعزو قلة حيلته لهذه النفس الطاغية .....
هذا الجزء الأول من القصيدة غني بتيمات النفس والروح والجسدوالريح والرياح كما أن هناك صراع بين الخير والشر ونزوح الشاعر نحو الخير وتطلعه إليه من خلال الينبوع والربيع والرياح والآمال ..آفاق الحقول والأهل الطيبين....
ورفضه لتمرد نفسه وطمعها وجشعها والخريف والريح والجسد المحطم...
ويستمر هذا الصراع ليتطور  الى حواربين الشاعر ونفسه فتقول له نفسه:
أنت يا ذا الصوت الغريب
لك الأرض والدود والغيوم 
ولي ياهذا المشتري وما خلف
النجوم.... 
فالنفس هي الآمر الناهي تضع حاجزا بينها وبين صاحبها وتنسلخ عنه وتعتبره غريبا ..له الأرض ولها النجوم وتريده دائماً تحت رحمتها هي التي تركبها الغوايةوتطغى عليها الشهوات ....ويراودها الشاعر بكلماته الشجية:
قلتُ يانفس لي قلبٌ:
شطرٌ قد تلاشى في الظلام
وشطرٌ في خريف العمر يشعُّ
  ضوءاً كالنهار
فهو قسَّم قلبه شطرين نصفٍ عانى في الماضي والنصف الآخر في خريف العمر غمره ضياء الأمل....لكن النفس أبتْ 
إْلا أن تطمس هذا الضياء وتقتل ذاك الأمل والدال على ذلك قوله:  أبتْ ......صارعتني فصرعتني
                  كبلتني
            من جديدٍ سجنتني بين أنياب 
           الفصول
فصول العمرالتي تحكم حوله الحصار تستعبد قدراته تنحو به نحواً خارجا عن إرادته يقول الشاعر:
جسدي تناثرفي بقاع الارض تذروه
    الرياح
فعلام يانفسي الغريبة البعيدة 
عن رحى جسدي يروعك الصباح؟
فهو يحاول أن  يظهر لنفسه جانبه الإيجابي بإدراج تيمة الجسد ككائن حي يملك روحاً طيبة وعقلاً راجحاً ....فهو سعى في الأرض  متنقلاً عبر رياح الخير يبذر في العقول رياحين العلم والمعرفة ..ويسأل نفسه عن غطرستها
وغربتها عنه فهو لم يعد يعرفها لأنها تكره الصحو والخير
هو يطالبها بالعودة إليه في كل أوقاته الجميلة ك (الضحى والأصيل)  والمؤلمة ك (الغروب ) الدال على النهاية والذي يوازي الخريف......فهو لا يملك من أمر حياته إلا الربع وهي تتربع على النصف الآخر والربع المتبقي فهو لأشجان الخريف
ما اروع هذا التقسيم وهذه المناجاة مع النفس  ومحاولة كبح جماحها في فترة زمنية عصيبة بلغها الشاعر وأحس بشجونها
خريف العمر الذي لخَّص فيه  ماضيه وحاضره ويخاف من مستقبله......وهن وضعف وبياض في مفرق الرأس واصفرار في الوجه ومع ذلك فنفسه لم ترحمه يقول:
غضبتْ عليَّ فجففتني
صيرتني ريشة المحروم
لا بل طيرتني في متاهاتٍ بعيدةٍ 
عن محيطي...عن رياحي
  فبنيتُ زورقاً في شتاءاتِ الأحلامِ
أظلاعه جسدي 
مجذافه قلمي
بحاره بلا شطآن
 ما زالَ يحمل بين مدٍّ وجزرٍ
أشجان الخريف
والروح تضحكُ ،تهزأُ مثل قرصان
ما خاف البحر يوماً
لا...ولا عصفَ  الرياح
ما أجمل هذه الترتيلات التي يعاتب فيها الشاعر نفسه  ويفهمها بأنه ليس من السهل ان ينهزم أمام غطرستها وترفعها عليه هو سيد القرطاس والقلم ركب صهوة العلم وأبحر في عبابه لم يخف عصف الرياح لانها تزود مداركه وتغني ملكاته فهي طيبة ...ولا خاف هيجان البحر لانه أمنه وأمانه ينهل منه قوت قلبه  ويقتبس منه  نور فكره ومتانة جسده ..ولتبقى النفس سجينة كبريائها تلهو بقشور النواة  التي لن تفنى نظارتها حتى بعد الفناء...........هذا عن الجانب الدلالي ولا يفوتني ان أقول أن القصيدة لها جانب فني رائع جداً غنية بألفاظها ومعانيها  وتناقضاتها واساليبها الخطابية والبلاغية والاستفهامية ...تحتوي على معجم لغوي غني جداً وتيمات شعرية محضة ناهيك عن الانسجام الحاصل بين المعاني والأساليب وكل ماذكر تتوجه وحدة الموضوع وهي ((شجون خريف العمر ))...استسمح عن الاطالة لأن النص يستحق أكثر من هذا المجهود قراءة ممتعة باذن الله ...
         بقلم :د. مليكة بوصوف
     المغرب،  جامعة فاس. 
           

     -*     -*     -*     -*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق