الجمعة، 5 مارس 2021

أ.هدى مصلح النواجحة/ قراءة أدبية نقدية للأستاذة زينب الدليمي بعنوان وقوف على باب الغروب

بسم الله الرحمن الرحيم

قراءة أدبية نقدية لقصيدة بعنوان "وقوفٌ على باب الغروب ِ"
للشاعرة الأستاذة /زينب الدليمي
للناقدة /أ. هدى مصلح النواجحة
في قراءتي المتكررة, وجدتني أمام لوحة عسرة النسيج .لكنني أعول على بابها قبل ولوج القصيدة. فالعنوان جاذبٌ , فللغروب باب والغروب تعني مفاهيماعديدة ؛ فقد يكون غروب حقيقي زوال النهار وإقبال الليل , وقد يكون توافد الضيق والألم في النفس, وقد يكون غروب العمر وذهاب الشباب والنضارة . ولفظة (وقوفٌ ) وهي مصدرٌ للفعل الثلاثي وقف ,غير مربوط ٍ بزمن ففيه من الاستمرار ما ليس له نهاية وإطالة , أما (على) حرف الجر الذي يفيد الاستعلاء فقد جاء مؤازراً وشاملاً للزمن واحتواء المكان وهو الباب. فالعنوان مؤشرٌ يدلل على الغياب وأن به منغصاتٌ للذات سنطل عليها من خلال القصيدة لنرى مدى توافق الرأس بالجسد .
القصيدة من إحدى وعشرين بيتاً من الشعر العمودي (الكلاسيكي) ولكنها تفعمُ بالحداثة المنسابة فهي تمثل حالة إنسانية رومانسية وهذه الحالة من مفرزات الأوضاع السياسية والاجتماعية والتي أثرت على كل شخص ٍ منا وليست على الشاعرة لوحدها؛ لكنها استطاعت أن تتغلب على السكون والدعة فباحت بما تعانيه الذات المستنكرة للوضع والمستنفرة بسبب ما يلحقها من أذى؛ فحركت مشاعرها وكوامنها مستنجدة بصور وجماليات لا حصر لها قشبت بها القصيدة.
ففي البيتين الأول والثاني تجمع الشاعرة على نفسها من الصور الجميلة ذات الحركة؛ فقد أولغت في الاستعارة المكنية , فالغروب له باب ولم تكتف بهذا الانتزاع اللامحسوس المعنوي وهو الغروب الذي أضافت له باباً خاص به فلقد جسدته بوقوفها الطويل على الباب الذي لم يفتح . وقد تمكنت من تنفس الغياب بواسطة ريح ٍ غير عادية وهي( ريح المنفى) . ثلاث مواضع تخيلية بعيدة عن الحقيقة تواترت في البيت الأول ؛ لكن الشاعرة تمكنت من السيطرة على المتلقي وأنا أحدهم لأتخيل موقفها ومعاناتها . إذن هي على موعد ٍوشخصت الموعد بالإنسان صاحب الصوت المهموس الذي كان سبباً لحيرتها لكثرة أنواع الترياق (الدواء) فأيهم الشافي لها , ولقد وظفت الشاعرة جملة كاملة بلفظة واحدة وهي من المداعبات البلاغية كما ورد في القرآن الكريم ( فأسقيناكموها)..
على باب الغروب ِ أطلت وقفاً ***تنفستُ الغياب ِبريح ِمنفى
فيهمسني من الميعاد ِ صوتٌ *** أحارُ بأي ترياق ٍ سأشفى
لكن في البيت الثالث سربت لنا سبباً لميعادها, فقد ربطت البيت بما قبله, فقد غدت لترسم لأحلامها لوحاً , ولعل الشاعرة لم توفق في لفظة (لوحاً)ربما وضعتها للحفاظ على عدم كسر البيت فنتاج الرسم ( لوحة )لا لوحا . وفي أهداب من ؟ حيث تغفى شوقها . وهذه صورة شعرية طرحتها (شوقي تغفى).
غدوتُ لأرسم الأحلام لوحاً *** وفي أهدابهم شوقي تغفى
أما البيت الرابع فقد جعلت حال صدى الأصوات المرافقة لها كلها حزناً وكمداً فتقول :(يرافقني صدى الأصوات وجداً). وفي الشطر الثاني تضع صورة مقابلة تماما إذ تتلو من عبير الهمس عزفا . فهل عادت الشاعرة لهمس الميعاد في البيت الثاني ؟
في البيت الخامس شخصت عباب البحر بالشخص الذي يرى ويصطاد الإنسان بمجرد اللمح فهو يلمحها ليلقي عليها فحيح نار وهي تتنقل من جرف ٍ إلى جرف راجفة ً من الخوف .وتمتثل أمامي حركة تنقل الشاعرة أمام البحر بتوظيفها حرفي الجر المتلاحقين لنفس اللفظة (من جرف ٍ لجرف ٍ)وهنا إشارة للغياب والضياع المتعلق بعنوان القصيد ة . ويؤكد البيت السادس ضياع الشاعرة وعدم هدايتها بما أعلنته صراحة ً في قولها ( على رغم الضياع تبعت ظلاً ) ونتساءل ما هو هذا الظل ولمن؟ ومن أين جاء؟ لذلك كانت النتيجة الحتمية لها هو الإخفاق .انظر البيتين:
فيلمحني عباب البحر يهجو *** ومن جرفٍ لجرف ٍ سرت رجفا
على رغم الضياع ِ تبعتُ ظلاُ *** فكان الغيبُ للإخفاق أوفى
لابد من نداء وصراخ الذات الخائفة المنكسرة الضائعة من المصائب الكثيرة والتي نعتتها الشاعرة بالرزايا والتي ومنها ما كان سبباً في ضياع حلم وأمنية للشاعرة .
وفي البيت الثامن إيغال في الألم النفسي فكل ما تعانيه (رؤى), وهي جمع رؤية أي بعدٌ عن الواقع والحقيقة وشبهتها بالغابة ذات الحيوانات المفترسة, وهي السبيّة التي سيقت رغم إرادتها, وألبستها خفاً في قدميها لتساق حيث وعورة المكان وشظفه فتقول .
روى والضاريات بها لتسبي *** فتلبسني إلى المجهول خفا
وفي البيت التاسع تشكل صورة على مزاجها فتجعل للمنال برجاً وتمد حبلاًً ليصل إلى باب الندى لكنها لم تدخله ليستمر وقوفها فهي لم تحقق شيئ رغم كل ما قامت به من أفعال مستحيلة .
البيت العاشر تعقيب لكنه متحف بالتشخيص , فاللحزن مخالبٌ وقد أضافتها للوجد على من تحب .ولم يؤثر في بناء حدة القصيدة ومن السهل نزعه من القصيدة فهو تأكيد فكرة لا غير فتقول فيه :
مخالب وجده سكرات موت ٍ *** تعفر في بقايا الروح ضعفا
وأعتبر البيتين والحادي عشر والثاني عشر مكملات تحمل وتعاضد نفس الفكرة التي قدمتها الشاعرة حول إخفاقها ..
ومن البيت الثالث عشر وحتى البيت العشرين حملت الأبيات فكرة واحد رغم تعد الصور ووصف حالة الشاعرة فكلها تتحدث عن علاقتها بمن تحب الذي قدمت بقولها في البيت الثالث عشر أن ابتهالها إلى الله لم يخب وفي الوقت ذات فقد احتفظت بالآيات التي اتسمت بالدعاء داخل قلبها .
لكن جعلت من الابتهال شدواً للتحبيب ولم تجف الآيات في قلبها شبهتها بينبوع ماء أو ماء جاري .
فلا خاب ابتهالي فيما يشدو *** ولا قلبي من الآيات ِجفا
وتختتم قصيدتها بقولها
فما للبعد قاموس بلحني ***أرتل فيك قداساً وحرفا
وهنا أرى شدة تقارب البيتين ومدى وفائها للحبيب الذي تملكها فصارت منشغلة به وتعوذ بحول الله ليحفظه .
عجت القصيدة بالصور المتلاحقة التي جعلت من القصيدة بحراً عميقاً مدلهم وتستعصي السباحة فيه , وأكدت على مرادها الذي انسجم وترجم عنوان قصيدتها.
بدأت تسعاً من أبيات القصيدة بالفعل وهي كالتالي :
المضارع (فيهمسني ,يرافقني, فيلمحني ,فأصرخ , أريدك)
الماضي (وكنت , أمد ,حفظتك ) وفعل واحد في المستقبل سيلهمني .
وكلها وصف حالة سابقة أوآنية وما تتمناه من الحبيب وله .
وبدأت باقي القصيدة بجمل اسمية طبيعية ,أو مالت إلى التقديم والتأخير كتقديم شبه الجملة على الجملة الفعلية (ومن برج المنال أمد حبلاً , على جرف الشفاة ِ رضاب غنج ٍ , على رغم الضياع ِتبعتُ ظلاً )
وحوت القصيدة الأساليب المتنوعة منها ما تفيد الكثرة (فكم جنت الخبايا منك تضري ) لتدلل على ارتفاع منسوب الوجد في ذاتها, والتوكيد وأساليب أخرى أفاضت على القصيدة شدة معاناة الشاعرة في أسلوب جمالي .
نظمت الشاعرة على البحر الخليلي الوافر وهو ذو نفس طويل يناسب التأسي والبكاء ووصف الحالة الشعورية الشعرية ,وقافيتها الفاء الشفوية المهموسة التي تناسب زفرات القلب وبث ما في الوجدان والذات من ألم.
القصيدة تعج بالصور والمحسنات من جناس ومقابلة ودلالات لغوية برزت على سطح القصيدة وكثفت من إبراز الجو النفسي لها ومن عمق رومانسية الشاعرة
وختاماً أبرزت الشاعرة تمكنها اللغوي والموسيقي وقبضها على الصور البيانية التي وظفتها في القصيدة .
مع خالص تحياتي وشكري لصديقتي الغالية .
بقلم / أم فضل النواجحة
25 /2 /2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق