الخميس، 8 أكتوبر 2020

الناقد عادل عبد الموجود/ نقد قصيدة الناقد سامي ناصف (المرايا المتكسرة )

قراءة فى قصيدة الشاعر والناقد / سامى ناصف
حين أقرأ قصيدة ، اول ما افكر فيه (هل قدم جديدا ؟، هل أعاد تسمية أحد الأشياء ؟ ، ما نسبة الوجدان إلى الفكر ؟ والسؤال الاهم هل حرك فى النفس شيئا ؟
والحقيقة كانت الاجابات عندى انى أقرأ لشاعر ناقد ؛ يعتمد النقد فى كتاباته .
فالعنوان يدخلنا النص من باب رحب ؛ لحظة التشظى لدى عربى ينظر لذاته او لذويه فى مرآة متكسرة لتعكس منطقا معكوسا ، فلا يطبطب على النفس ، فدائما تنكسر المرايا بفعل التناقضات والصراعات (الاحجامية منها ) ، وكأنه يعطى مفتاحا القارىء ان ما سيقرأه فى القصيدة هو سبب هذا الصراع المتنامى داخل وجدانه .
فها هى النتيجة لهذه الصراعات فيخبر مؤكدا ب (إن) (السموم تموج فى جسد العبارة)
وتموج(تتحرك باندفاع ) فى تيارات متتالية ، وهنا تتضح ( الحركة) واللون (الازرق ) فى تركيز ، وكأنه يخبر من أجل التحذير ، بنتيجة حتمية لهذا (ان العبارة ستموت) .
ومليكتى ضاعت فى وضح النهار و(الواو ) فى ومليكتى تفيد الاشتراك فى الفعل او على اقل تقدير الترتيب .
مليكتى تلك المدللة القريبة لقلبة (لوجود الياء) ضاعت تحت أعينهم ؛ ليوضح هذا الضياع فى صورة البكر التى تلقفها هؤلاء المتفاخرون بخطياهم .
(فخريطة العرب الكسالى)
وقفت عند الفاء ( تعليلية) او سببية او يبين بها شكل البكارة التى تكالب عليها المغتصبون ؛ كل هذه القراءات تؤدى إلى بيان أسباب ضياع ملكيته فى هذه الغيابات (الأسى ) ، وهى مفردة أراها قاصرة ، ولا تتناسب مع ما رسمه من قسوة .
(تؤتى .. على فرش ... السفالة )
والشاعر كتب (تؤتى ) ثم نقطتين ثم (على فرش) (السفالة)
هنا تؤتى يمكن أن تعنى ( يؤتى إليها) على طريق السفالة ؛ وكأنها مأسورة لديهم .
وكأنه يأبى ان يذكر الحقيقة كاملة ، فقد كان يمكنه أن يقول :
( تؤتى على فرش السفالى ) فى سطر شعرى واحد .
فكيف لمليكته ان تكون مغتصبة بهذه البشاعة ، وهنا نذكر ماذهب إليه ( سيجموند فرويد ) فى ميكانيزمات الدفاع (الانكار) لبشاعة مايشعر به رغم انها ضاعت فى وضح النهار ، وهذه الحالة يتميز بها الشرقى او قل العربى حتى يتعايش مع مالا يقدر على دفعه .
ولا تنس أن المرايا متكسرة ، والرؤى ضبابية فى عينه .
انها تلك ( العيون المفعمات بعهرها)
العيون الممتلئة بعهرها ؛ حين تمخض لاتلد الا عهرا .
وتطأطىء العنقاء ...
أنفـــــا للـــرغيــف وللـــدعــــارة
لكنها ( العنقاء : طويلة الرقبة ) وتطأطىء من أجل الرغيف والعيش الكفيف - واراه معادلا موضوعيا هاما واساسيا فى فكر وعقل القصيدة - ونتذكر انها ملكيته؛ لقد قسى الشاعر على نفسه ليضع نفسه فى مكان كل عربى ، واتهم نفسه ولم يبرأها .
فمن حين لآخر يجلدها بيده التى وقفت عن الزود عنها .
ويلقى لنا بمفتاح يخرجنا إلى ما أراد ؛ انها تلد البلادة ( هــى دولـــة الحـــزن التى ..
تلـــد البـــلادة ..)
تشــق نهرا من صهيـــل المـــوت ..
فى هذا السطر ارى قدرة عالية فى بناء الصورة ، وحبكة استخدام المحسنات والاضاد .
فهى الضعيفة (تشق نهرا) وكان قوة الألم حفزها لهذه القوة ؛ انه نهر من صراخ الموت .
لعلها تبحث عن الخلاص ، وليس أمامها بديل الا الموت ، وجمال التعبير (صهيل الموت) ذلك الذى يصهل فى داخلها ، حين تخلى عنها من يحمونها بسبب ( البلادة ) فراحت تدوخ فى فلك الخسارة فقد قال :
وتـــدوخ فى فـــلك الخســـارة ..
وهنا انوه إلى أهمية التشكيل لبعض المفردات التى يمكن تؤخذ على محملين مختلفين وهذا ماتعلمناه منه الشاعر الناقد سامى ناصف

هى نكبـــة النكبــات ..
يازمـــن الحجــــارة ..
فيمـــامة الشــرق ..
التى قــدأقلعـــت ..
طيـــرا أبابيـــلا ..
تصــب النـــار ..
فــوق مدينـــة الشرق الجبانــة ..
كى تسحــــق القـــدس الســـأمة ..
وتفضّ محفـــل من يطرّز ..
ثـــوب مدفنهـــا ..
فقصيــــدتى حبلــى ..
وصمتـــك معـــولى
فى وجـــه من زرعـــوا البـــوار ..
وقيـــدوا مُهــر النضــارة ..
فعيـــونك الثكــلى ..
مدينـــة غربـــتى ..
وسكينتـــى ..
فى مهرجـــان الدم ..
والأوهـــام ..
خـــارطة البـــلاد ..
المستـعـــارة
ويظل يلقى علينا رصاصات المسئولية ، ليشارك القارىء فى حالته ويتوحد معه فى كيان مقصر
قصيدتى حبلى (قد يكون وليدها هو الأمل المحرر ) استعارة مكنية لكنها تتماس مع قصيدة حبلى (نزار القبانى) فيذهب ذهن القارىء لتلك القصيدة التى رفضت فيها المغتصبة ان تتزوج من مغتصبها .
فتتحول بمن يمسكون الحجارة (معادلا موضوعيا ) لطير ابابيل ؛ فيطهرون البيت من جيش أبرهة المعتدى ، وهو تماس رائع متماسك وضرورى ، استطاع الشاعر الربط بين انتفاضة الحجارة ومارمته جيوش الله لحماية بيته الحرام .
يقوم النص في بنائه الصوتي على بروز نسقي لعدد من حروفه من خلال بروز الفاعلية الصوتية لبعض حروفه ولا سيما التي ترددت في النص كثيراً (الحجارة - النضارة - مستعارة ) (الجبانة - السآمة )و هذا البناء الصوتي يعكس عمقا دلاليا في استجابة الأصوات لموضوع القصيدة التي أسس لها الشاعر ، ويحقق البناء العاطفى لها ، وكثيرا ما استخدم الأسلوب الخبرى ليتبرأ احيانا من هذا الواقع ، والتضاد فى المعنى ليظهر غرضه جليا ، وأكثر من معادل موضوعى ، و توجهات النص في العاطفة المستخدمة فيه.
تبدو الجمل المؤكدة في النص ( أكثر من الجمل غير المؤكدة حتى تلتحم وتتقوى دلاليا الذي ينغلق على مفاهيم الإحباط المتكئة على جانب الحلم (تفضّ محفـــل من يطرّز ..
ثـــوب مدفنهـــا) و الذي يتعلق به الشاعر
واخيرا اشكرك استاذنا ان اتحت لى هذا الشرف العظيم ؛ ان أقرأ هذه الماسة فى زمن الصفيح .
عادل عبد الموجود

أقدم لكم قصيدة بعنوان ..
( المـــرايا المتكســـــــــــــــــــرة )
شعر / سامى ناصف ..
....................
إن السمــــوم تمـــوج فى جســـد العبـــارة ..
ومليكتـــى ضــاعــت ..
وفى وضــــح النـــهـــار ..
تقــاسمـــوا تاج البــــكارة ..
فخريطـــة العــرب الكســـالى ..
فى غيــابات الأســـى ..
تُــــؤتــى .. على فُــرش .
الســـفالــــــة ..
تــــلد العيــون المفعمــــات بعهرها.
وتطـــأطـــىء العنقــــاء ..
أنفـــــا للـــرغيــف وللـــدعــــارة ..
هــى دولـــة الحـــزن التى ..
تلـــد البـــلادة ..
وتشــق نهرا من صهيـــل المـــوت ..
وتـــدوخ فى فـــلك الخســـارة ..
هى نكبـــة النكبــات ..
يازمـــن الحجــــارة ..
فيمـــامة الشــرق ..
التى قــدأقلعـــت ..
طيـــرا أبابيـــلا ..
تصــب النـــار ..
فــوق مدينـــة الشرق الجبانــة ..
كى تسحــــق القـــدس الســـأمة ..
وتفضّ محفـــل من يطرّز ..
ثـــوب مدفنهـــا ..
فقصيــــدتى حبلــى ..
وصمتـــك معـــولى
فى وجـــه من زرعـــوا البـــوار ..
وقيـــدوا مُهــر النضــارة ..
فعيـــونك الثكــلى ..
مدينـــة غربـــتى ..
وسكينتـــى ..
فى مهرجـــان الدم ..
والأوهـــام ..
خـــارطة البـــلاد ..
المستـعـــارة .
الشاعر / سامي ناصف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق