الاثنين، 30 نوفمبر 2020

أ.هدى مصلح النواجحة/قراءة في قصيدة بنايات من ورق

قراءة في قصيدة بنايات ٍ من ورق

/ شعر: علاء نعيم الغول/
بقلم / أ. هدى مصلح النواجحة

عند اللقاءِ يقولُ أولكم لآخركم ألا تجدونَ
معنىً واحداً للحبِّ ثمَّ يدقُّ بابَ البيتِ ساعٍ
في يديهُ رسائلُ الماضي وأيامُ الغيابِ
وما يفيدُ الآنَ
معرفةُ الذي لم نطلعْ يوماً عليهِ
يريحني أني أعيدُ صداقتي مع مفردات
لا تليقُ بطامحٍ مثلي وأعرفُ أنَّ ما في القلبِ
ليس مفاجئاً فخذي ضميرَكِ من أحاديثِ المرايا
واجعليني شاهداً كي نفتحَ الماضي ونغرقَ
في تفاصيلِ الوداعِ ومَنْ تسببَ في تجاهلها
لساعاتِ المساءِ يقولُ آخركم أنا متنازلٌ عما لديَّ
من الهواءِ يقولُ أولكم سأرفضُ أنْ أعلقَ
أكتفي بالانتظارِ وبين رأيٍ طائعٍ ومخالفٍ
تتساقطُ الأوراقُ عن شجرِ الطريقِ تهبُّ من جهةِ
الحياةِ حياةُ أحلامٍ مزيفةٍ وطائشةٍ ويبقى الحبُّ
نصفَ الماءِ في حلقٍ صَدٍ إنْ كان من حبٍّ ففي
عينيكِ في لونِ الندى إنْ كانَ في هذا الندى
وردٌ وإني دائمُ التفكيرِ في أشياءَ تُفقِدُني اختياراتٍ
مرتبةً وبين الأبجديةِ والوصيةِ حالةٌ من غربةٍ
وتشظياتٍ في معاني الإقترابِ من الحقيقةِ والحقيقةُ
مثل مرآةٍ بدونِ تحفظاتٍ أو ظنونٍ لو يفيدُ لقلتُ ما في
داخلي للكُلِّ واستثنيتُ نفسي من سماعِ الصوتِ
فيَّ ومن مراعاتي لأسمائي التي ما مرةً أحصيتُها
/فهي الكثيرةُ والغريبةُ والتي لا تنتمي لتوقعاتي إنَّها/
الأسماءُ تحملُنا وتنكرُنا ونفقدُ بعدَها ثمنَ احتفاظ القلبِ

بالأحلامِ في هذي الطريقِ أرى بناياتٍ من الورقِ
المقوَّى والنوافذُ أعينُ الطيرِ المضيئةِ لا أرى
أحداً سوايَ أنا الوحيدُ هنا أسيرُ بدونِ أمنيةٍ
تسابقني إلى شيءٍ بعيدٍ لا نهايةَ
أيها العشاقُ
/للبذخِ الذي يُرجَى من الشغفِ
/ المُيَسَّرِ في كلامِ
الحبِّ ما أرجوه أني لا أنافقُ ما /
كتبتُ وحين /
يرهقني الخلافُ على اللقاءاتِ الأخيرةِ أكتفي أيضاً
بأغنيةٍ وشيءٍ منكِ يجعلني قريباً من هدوءٍ ينتهي


/بتعلقٍ بحكايةٍ بيني وبينكِ إنهُ قلبي الذي لم يحتملْ
بُعْداً ويجعلني أحبكِ مدركاً أني بريءٌ من ظنونكِ
والحياةُ حبيبتي ليستْ لمن ينسى ويفتعلُ احتمالاتٍ
مضللةٍ وينسى
أننا دفءٌ يمرُّ ويختفي/
. الثلاثاء ٢٤/٤/٢٠٢٨ قلب المسافر
قراءة قصيدة/ بناياتٌ من ورق
للشاعر علاء نعيم الغول
والقراءة قد تأخذ طابع سبر غور ما جال في خاطر الشاعر وربما نتعدى عليه في تأويلنا .أرجو ألا نكون مغالين فنظلم مفردات الشاعر بالتجني على شاعريته التي أطلقها فأنجبت هذه النثرية التي استملحتها .
للشاعر خيال ٌ سارحٌ ممزوجٌ بالواقع , وله تأوهات ينفثها من خلال ما حباه الله من موهبة التمويه والرمزية .فهو لا يباشر في نقل رؤياه لمتلقيه ؛ ولكنه يركن لذائقة المتلقي في توضيح رؤياه وفهمها . واختلاف التأويل يجعل للقصيدة ثمناً غاليّاً في المزاد العلني للنقد .
وقد انتقي الشاعر عنواناً يدلل على الوهم , رغم حقيقة الألفاظ الواردة لو كانت منفصلة وليست مجتمعة كالعنوان (بناياتٌ من الورق ) فماذا تحمل البنايات الورقية سوى المنظر أو التجسيم لمبان ٍ سهلة الانهيار ولا تحمي من برد ولا تقي حرارة الشمس ..وهي جمع وعموم غير معرفة ؛ وعمومية الشيء وعدم التحديد تشير إلى قلة قيمة هذه المباني التي يعنيها الشاعر, ولنتابع ما جاء في القصيدة التي دفع بها كتلة واحدة رغم كثرة محتوياتها .
بدأ الشاعر قصيدته بالظرفية (عند اللقاء )وأيِّ لقاء يريد ؟ فاللقاء مبهم فنحن سائرون مع خيط الإبهام الذي حمله العنوان . ومن سيقول لمن من أولهم , ومن آخرهم , ولمن وجه الشاعر خطابه ؟ فالحب أيضاً لديهم لا يحمل إي معنىً ؛ لأن الحب يحمل معان ٍ كثيرة كالمودة والتقارب والبهجة باللقاء والشوق للحبيب والعذاب واللهفة واستمرارية الحياة ولاحظ عطف الزمن بالتراخي (ثم )فهناك زمن على سطح القصيدة وسع في أفقها .ثمّ يدق باب جمعتهم ساع ٍ مجهول يحمل في يديه رسائل من الماضي وأيام الغياب لكنها ذات قيمة فهي كنوز المعرفة والمعلومات التي نجهلها عن ذلك الزمن .
بدأ الشاعر يتحدث عن نفسه قائلا ًأن ما يريحه صداقته مع تلك المفردات ,وأي مفردات ربما يشير إلى ما جاء في الرسائل التي من الزمن الماضي , وهنا لعبكة أخرى لمن يوجه الشاعر خطابه ويطلب منها أن تأخذ ضميرها من أحاديث المرايا ,وما هو حديث المرايا سوى انعكاس للرؤية ومشاهدة المناظر والشخوص المقابلة ..فهو يريد منها أن تجعله شاهداً على الماضي وأحداثه الكثيرة المغرقة لكليهما .ألا وهي تفاصيل الوداع التي لم يعرفون من المتسبب فيها
وهنا يتضح قول الأخر فهو متنازل عما لديه من الهواء, وهذا استنزاف حقيقي للحياة ودخول في الغياب مجبراً , أما الأول فهو يرفض التعليق بالقول على ما يرى ويسمع , مجبر ترى ما سر الامتناع ؟ وفي أثناء الاختلاف تتساقط الأوراق وهكذا الحياة بكل ما فيها من تأت ساعته لا يؤجل فهو هالك لا محالة. وهذه قمة السريالية والغموض الذي يعطي الشاعر تأويلات عدة لعبارات القصيدة .انظر إلى ما يقول : تتساقطُ الأوراقُ عن شجرِ الطريقِ تهبُّ من جهةِ
الحياةِ حياةُ أحلامٍ مزيفةٍ وطائشةٍ ويبقى الحبُّ نصفَ الماءِ في حلقٍ صَدٍ إنْ كان من حبٍّ ي
إذاً لا بد من أن الشاعر يقصد حياة البشر فهي عارية زائفة لأن نهايتها الذبول والموت , فهو يشبها بحياة الأحلام المزيفة والطائشة التي لا تعقل فيها . لكن الحب يبقى كما لو كان نصف ما يروي الحلق الذي يحتاج للماء من الظمأ .ثم يجمع بين الحب الذي كان وبين عينيها فالحب في عينيها ندى والندى يحفظ حياة الزهور والمزروعات بدل الماء من السقيا ويحافظ على رونق الزهر , فهو يحبه إن كان فيه وردة أي ما يسر النظر ويشرح الصدر ., ويكمل الشاعر فيقول أنه دائم التفكير في أشياء مبعثرة حول الوصية والأبجديات لكل شيء وهذا موضوع فلسفي. فكيف نتعمق في مجريات الأحداث والحياة والصراعات والتهافت على الدنيا التي سرعان ما نترك كل شيء وراءنا حال الموت .هذه هي حقيقة نظرة الشاعر فكل البيوت والمباني ما هي إلا مبان ٍ مضيئة حقاً ولكنها تشبه مباني ورقية زائلة .أنظر ما يقول :
بالأحلامِ في هذي الطريقِ أرى بناياتٍ من الورقِ
المقوَّى والنوافذُ أعينُ الطيرِ المضيئةِ لا أرى
أحداً سوايَ أنا الوحيدُ هنا أسيرُ بدونِ أمنيةٍ
تسابقني إلى شيءٍ بعيدٍ لا نهايةَ
وهذا الكلام موجه للعاشقين للبذخ وحب مغريات الحياة , والشاعر يختلف مع هؤلاء الشغوفين في وجهة النظر فهو يكفيه القليل ؛ ليكن أغنية أو شيء جميل بينه وبين محبوبته الذي سيوفر له الهدوء والاطمئنان . ويؤكد فكرته فقلبه لم يحتمل البعد وكذلك يجعله بريء من ظنونها التي يرفضها عنه  , فالحياة ليس لمن ينسى ويفتعل احتمالات مضللة فالإنسان كأي شيء في منظومة الكون, يمر في الحياة ثم يختفي بالموت. كما بدأ الشاعر في قصيدته بأوراق الشجر التي تتساقط على الطريق. 
أود أن أتناول أحرف الجر في القصيدة وكيف خدمت الشاعر في طرح فكرته من خلال قصيدته.
بلغ عدد أحرف الجر على سطح القصيدة تسعة وثلاثون حرفاً كالتالي حرف الجر ( في )جاء في القصيدة أربع عشرة مرة (في يديه , في القلب , في تفاصيل  ,في تجاهلها , في حلق , ففيَّ ,في لون , في هذا , في أشياء ٍ,في معاني ,في داخلي , فيَّ في هذي , في كلام  ) وكلها تعني الولوج والدخول  والتعمق وهنا ندرك مدى تعمق الفكرة من ذات الشاعر فقد استوطنته واستبطنته فهو صاحب فكرة ونظرة فلسفية اقتنع بها  .
وقد احتل حرف الجر( من ) اثنا عشر موقعاً على سطح القصيدة كما يلي (من أحاديث , من الهواء , من جهة ,من حب , من غربة , من الحقيقة , من سماع , من مراعاتي ومن الورق ,  من الشغف , منك , من هدوء , من ظنونك )وقد جاء حرف الجر يدلل على أن الشاعر كأي إنسان على سطح الأرض يعجز عن امتلاك واستحواذ كل الشيء فالإنسان مقسوم له جزء من كل , فالجميع فيه سواء , فعليه لماذا التمادي بالاستئثار وحب الذات والتشاحن لاقتناء المزيد من مترفات الدنيا ومتاعها . فحرف الجر من يعني الجزء من كل , ويعني المشاركة وهنا نحترم إنسانية الشاعر ودعوته الى التسامح وفض المشاحنات وتركها , والنظر إلى المصلحة العامة التي تقتل في دواخلنا الأنانية والبغي على بعضنا البعض .
وجاء حرف الجر (ل) في أربعة مواضع كما يلي (لأخركم , للكل ,لأسمائي , لتوقعاتي ) وكلها تدلل على سببية انتهاج الشاعر لفكرته التي أظهرها في القصيدة . 
كما ورد حرف الجر (ب) أربع مرات ليدلل على الوسيلة التي اتبعت في تعقب هذه الحياة فيقول (بالأحلام , بأغنيات بتعلق ٍ بحكاية ٍ ) وكلها ألفاظ ضعيفة وليست قوية في سياق القصيدة . 
هذا وقد ورد حرف الجر (عن )مرتين كما يلي عما. وهي( عن وما )و(عن شجر )وجاءتا في موضعين مبهمين وغير معرفين فهذه هي حقيقة الحياة وحقيقة الإنسان على الحياة يأتي صاغراً ويذهب صاغراً لكنه ينسى حقيقته وتأخذه العزة بالإثم فيظلم ويجتهد في سعيه لتحقيق حاجاته الخاصة ولو على حساب الآخرين . 
القصيدة زاخرة بكنوزها الأدبية الجمالية . لكنني  لم أدخل الى الصور والجماليات واكتفيت إلى خدمة أحرف الجر على سطح القصيدة ودعمها في إبراز الفكرة العامة فيها وشدها لحبل القصيدة كما السلسلة .
أخيرا أشكر للشاعر هذا العطاء المبهر وهذه الشاعرية الجزلة  وقد تعمدت بتناول نتواءات في القصيدة وسلاسل مقوية لسياق العبارات ومتفقة مع نسيج الشاعر وتعزيز فكرته .

قراءة /أ .هدى مصلح النواجحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق