الأحد، 22 أكتوبر 2017

" رويدك سيدي " ؟؟!! قصة قصيرة بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة ) ------------------------------- إهداء متواضع .. إليها ... .. بطلة النص والأحداث حقيقية .. والراوي هو الكاتب ذاته . ( الكاتب ) ----------------------------- رويدك سيدي ... لماذا تشيح بوجهك عني هكذا ؟ لماذا تسرع الخطى مولياً وكأنك تفر من الشيطان ؟ رويدك سيدي فأنا أعلم أن منظري لم يسرك وسط أسراب الغيد من الصبايا في الشارع المكتظ ؛ لعلني قد نغصت عليك مشاهد الجمال ورؤية الجميلات ، وقلبت سعادتك هماً ؛ وسرورك غماً.. إنني أعلم أن شكلي منفر ؛ بل منفر جداً ، فماذا في هذا الحطام الآدمي الذي يتمثل بي سوى البشاعة والدمامة والقبح ؟ ولكن ماذا بيدي يا سيدي قل لي بالله عليك ولا تتحرج ولا تشح بوجهك هكذا عني ، إنني أعلم أنك لا تستطيع النظر إلى وجهي لأكثر من ثوانٍ قليلة فماذا سيغريك على النظر إليّ ؟؛ وماذا بوجهي الدميم يغري بالنظر إليه؟ ما أظنك قد أتيت إلى هنا سوى للتمتع بجمال المكان ، والاستمتاع بجمال صبايا المدينة ، وجمال عمرانها وآثارها ولا أظنك قد أتيت لأنغص عليك جولتك هذه بشكلي القبيح ووجهي الدميم. رويدك سيدي؛ لقد لاحظتك وأنت تشيح بوجهك بعيداً عني عندما التقى بصرك بوجهي الدميم مصادفة ، لقد رأيتك تنظر إليّ لثوانِ تتأملني قبل أن تشيح بوجهك عني بعيداً ، أعلم أنك لم تكن تتأمل وجهي إكراماً لجمالي وتمعناً فيه ، فلقد كنت تمعن النظر لكي تتأكد أن ما تراه هو إنسان ، إنسان حقيقي ، ليس تمثالاً دميماً ، ليس وحشا.. إنني أعذرك يا سيدي ، كثيرون اعتقدوا ذلك ، مثلك تماماً ، لقد رأيتني أقف صامته بلا حراك كتمثال من تماثيل الإغريق ، أو عمود من أعمدة الآثار ، فخيل لك أنني تمثال دميم أو عمود قبيح نقل خطأً من مكانه ليلقى به في منتصف الطريق بإهمال هكذا ، لو لم أتحرك لحظتها لأطرد ذبابة لعينة عن وجهي لتأكد ظنك ولحسمت الأمر لصالحك بأن هذا الحطام الآدمي ما هو سوى تمثـال قبيح ، ولعلك تساءلت في ذهنك عما أفعله هنا إن لم أكن تمثالاً فعلاً ؟ فأنت لم ترني أمد يداً ولا أفتح فاهاً كالآخرين من أمثالي ممن يستجدون المارة ويطلبون منهم الصدقات والإحسان .. نعم سيدي أنا " شحادة " أستجدي المارة وأطلب منهم الإحسان والصدقة ، هل تراك ازددت تقززاً مني ؟ هل ازددت نفوراً ؟ إذاً لماذا أراك تشيح بوجهك عني أكثر ، ولماذا أراك تسرع في العدو والفرار هكذا ؟ تمهل يا سيدي فإنك إن هربت مني واقعاً فلا أعتقد أنك تستطيع الهرب مني بخاطرك ، بفكرك ، فلا بد أن شكلي الدميم ووجهي القبيح قد طبعا جيداً في ذهنك وفي فكرك ولن تتخلص منها حتى لو استعملت مياه العالم أجمع ، ومنظفاته الطبية والكيميائي . لقد بذلت قصارى جهدك أن ترجع تضاريس هذا الوجه إلى أصولها الحقيقية وتضاريسه الطبيعية ، وبالطبع فإنك لم تستطع ذلك ، ولن تستطيع .. لعلك تساءلت أين الأنف إذا كان هذا الوجه لآدمي حقاً ؟ .. لعلك تساءلت أين الأذنين إذا كان هذا بشر حقاً ؟ لعلك تساءلت أين العينين ؟ لعلك .. لعلك؟؟؟ لقد اختلطت تضاريس وجهي بشكل مخيف ، لم يعد للأشياء أماكنها الطبيعية ما عاد هذا الوجه سوى كتلة لحمية مهلهلة ، عشوائية التوزيع ، غريبة الشكل ، فالأنف لم يعد يمت للأنوف بصلة ، والعينين لم يعد لها وجود ، والأذنين تلاشت ، حتى الوجنتين والفم اختلطت اختلاطاً عجيباً وتبادلت أماكنها ، لقد أصبح الوجه كتلة لحمية محترقة مهلهلة تشبه وجه حيوان خرافي ، تشبه وجه تمثال قديم يمثل الدمامة والقبح . رويدك سيدي فلا تشح بوجهك عني هكذا ، ولا تسرع بالفرار ؛ فهذا الوجه الغريب الذي تفر منه تقززاً كان ذات يوم وجهاً لملاك ، هذا الأنف الذي لا ترى سوى مكانه فقط كان مضرب المثل في يوم من الأيام كان رمزاً للأنفة ، للعزة والجمال كما يقولون ، هاتان العينان اللتان لا وجود لهما كانتا مركز إشعاع السحر والجاذبية والإلهام والحب في يوم من الأيام.. مالي أراك تفتح فاهك هكذا كالأبلة يا سيدي ؟ عندما سمعت كلمتي الأخيرة ، الحب ؟ هل تعتقد أنني لا أعرف هذا الحب ؟ هل تظن أنني لم أسمع به ؟ هل تعتقد أنه حكر على الوجوه الجميلة فحسب؟ سيدي .. مخطئ أنت ، مخطئ يا سيدي ، فأنا إنسانة ، أنا أيضاً بشر أحمل بين حنايا صدري قلباً ، نعم لي قلب مثلك تماماً ، مالي أراك تفتح فاهك كالأبلة هكذا مرة أخرى؟، لعلك تعتقد أن مثلي لا يجوز لها أنا تملك قلباً ؟ لا يا سيدي فإن لي قلباَ مليئاً بالحب والألم، قلب مفعم بالحياة ، لعلك لا تدري يا سيدي أن التشوهات على وجهي لم تصل إلى قلبي ، فقلبي ظل في منأىً عن التشوهات التي حدثت لوجهي ، لقد ظل القلب ينبض بالحياة والحب.. رويدك سيدي فلا تشح بوجهك عني هكذا ، ولا تفر من أمامي هكذا ، ولا تفتح فاهك كالأبلة هكذا ، فأنا بشر يا سيدي ، بشر. لقد كنت مضرب المثل في الجمال ، لعلك تهزأ من قولي هذا في سرك ، فأنا أفهم ما يدور في ذهنك وخاطرك من أفكار ، لعلك تعتقد أنه قد أصابني مساً من الجنون ، أو أن عقلي قد شوه أيضاً ، لك العذر يا سيدي فأنت إنسان سطحي كالآخرين تماماُ ، تحكم على الأشياء من مظهرها ، من شكلها الخارجي ، لقد حكمت على قلبي وعقلي بالتشوه والقبح قياساً على وجهي وتشوهاته الغريبة.. رويدك سيدي ؛ فلماذا تتغاضى عن النواحي الجمالية ؟ .. ألا ترى طول قامتي الغريب هذا ؟ لا تهزأ بي هكذا بالله عليك يا سيدي ؛ فلقد كان طول قامتي مقياساً آخر للجمال ولسحر والجاذبية ، حسدتني الكثيرات عليه كما حسدنني على جمالي الصارخ الفتان ، اهزأ بي يا سيدي واسخر كما تشاء ، فأنت لم تعرفني عندما كنت جميلة ، بل جميلة الجميلات ، ثم ألا ترى اعتدال قدي يا سيدي ؟، أرجوك ؛ لا تتمادى في السخرية مني إلى هذا الحد فاعتدال قدي هذا أضاف بعداً ثالثاً للجمال لا أظن أن مثلك يعرفه لأنك سطحي لا تعرف مقاييس الجمال الحقيقية ، لا تعرف سوى المظاهر السطحية ، لا تغوص في بواطن الأمور وأعماقه.. رويدك سيدي ؛ لا تشح بوجهك هكذا عني ، ولا تفر من أمامي كمن يفر من الشيطان ذاته ، إن هذا الوجه الذي تأنف من النظر إليه كان ملهماً للعشاق ، وكان وحياً للكتاب والشعراء ، كان من الممكن أن يوحي لك بكتابة أعظم رواية عن أجمل امرأة ؟؟!! ... لقد أحبني شاب ، لا تعجب من هذا يا سيدي فلقد كان الوصول إلي قلبي هو المستحيل بعينه ، كان أشبه ما يكون بالوصول إلى القمر ، إلى الشمس .. أحبني الشاب يومها بجنون ، حركاته وسكناته كانت توحي بذلك ، لم يبح بحبه ، ولم أهتم به لأن جمالي أعطاني نفحة عظيمة من الغرور ، كنت أنظر إلى الأمور وإلى الأشياء بمنظار آخر ، اعتقدت أنني ملاك لا أنتمي لطائفة البشر ، ولا يحق لإنسان أن يهواني ، وكيف للبشر أن تهوى الملائكة؟! كان الشاب مضرب المثل في الوسامة ، الشباب والحيوية ، ابن عائلة ثرية عريقة مثقفاً متعلماً ، ذو شخصية فذة في عالم الاقتصاد والمال ، له مكانته الاجتماعية واحترامه العظيم من الجميع.. كنت مأخوذة بجمالي ، فكلمات الإطراء منه ومن غيره ، ونظرات الإعجاب التي تلاحقني منه ومن غيره ، لا تزيدني سوى غروراً وتيهاً ، لقد حاول الشاب التقرب مني بشتى الوسائل والطرق ففشل كما فشل غيره ، مسكين لقد حاول المستحيل .. حاول الوصول إلى القمر ، إلى الشمس .. فأحرق نفسه واحترق .. اعتقد الشاب أنني أهوى غيره ، أعشق سواه ، فتفرغ للبحث والتقصي ، ولم يكن يعنيني أمره لا من قريب ولا من بعيد ، مثله كسواه من العشاق والمعجبين ، يبدو أن غروري قد صنع حجاباً كثيفاً من الوهم أعماني عن إدراك أبسط الحقائق ، حقيقة كوني أنتمي إلى بني البشر ، فعشت الوهم ، وعشت الخيال . لقد كانت مقاييس الحب عندي غريبة ، ومفاهيم العشق عندي عجيبة ، حسبت أن البشر جميعاً لم يصلوا بعد إلى مداركها وفك طلاسمها ، فجمالي أعظم من أن يمسه بشر ، أسمى من أن يتمتع به إنسان؟؟!! لعل الفتى قد أصيب بشيء ما ؛ لست أدريه ، فلقد تغيرت هيئته وشكله واندثر جماله ، ماتت جاذبيته ، اندحر شبابه .. يبدو بأنه قد وصل إلى درجة كبيرة من الإحباط واليأس قضت عليه ، وأذهبت عقله ، فأصبح إنساناً آخر ، فلقد طالت لحيته ، تهلهلت ملابسه أصبح شبحاً لإنسان ، ولم يؤثر بي هذا وذلك ، أرى غرابة الجنون في عينيه ، في حركاته ، في كلماته الهامسة ، كان يتعمد الاقتراب مني ؛ النظر إلىّ ؛ يحاول محادثتي ، فكنت أشيح بوجهي عنه بعيداً ، أفر من أمامه مذعورة قبل أن يقترب مني .. في ذلك اليوم ؛ أطل شبح الشاب عن بعد ، بعد أن غاب عن ناظريّ لعدة أيام تنفست خلالها الصعداء وحمدت الله على تغيبه وتمنيت أن يطول هذا الغياب إلى الأبد ، ولكنه أطل علىّ وقد ازداد وجهه جنوناً وحركاته إضطراباً.. حاولت الفرار منه ، لاحقني ، زججت بنفسي بين الجموع الحاشدة في شارع المدينة المزدحم ، طاردني ، همس بحروف وكلمات غريبة لم أفهم منها حرفاً واحداً ، ازدادت حركاته عصبية واضطراباً وجنوناً ، استطعت التخلص منه بصعوبة بالغة بعد مراوغة طويلة بين الجموع الحاشدة في شارع المدينة المزدحم بالمارة ، وقفت في زاوية بعيدة ألتقط أنفاسي ، ألملم شعري ومشاعري المبعثرة ، أجمع شتات فكري المضطرب ، أخرجت منديلاً أجفف به العرق المنهمر من وجهي بغزارة .. فجأة ؛ كان يقف إلى جانبي .. نظر نحوي بعيون تقدح شرراً، تسمرت في مكاني لم أدرِ ماذا يجب علىّ أن أفعل ؛ أصرخ .. أستنجد ؟ أهرب ؟ لقد حاولت أن أفعل كل هذه الأمور مجتمعة ولكني لم أفعل شيئاً منها؛ فلقد تسمرت قدماي في الأرض وانعقد لسان.. بسرعة البرق أخرج من جيبه زجاجة ، ظننت أنها زجاجة عطر يحاول أن يهديها لي ليكسب ودي كما حدث معه في مرات سابقة ، فتح الزجاجة ؛ لعله يريد أن يهديني شيئاً من عطرها ، اقترب مني؛ لعله يريد أن أستمتع بعطره أكثر ، شدهت ، جحظت عيناي ، انتابني خوف عظيم مع كل خطوة يخطوها نحوي ، تسمرت عيناي على زجاجة العطر التي يحملها.. فجأة ؛ قذف بمحتويات زجاجته العطرية إلى وجهي ، وتناثرت لتملأ الوجه ، وكانت رائحة غريبة فعلاً، لا أعتقد أنني شممت مثلها أبداً ، ولن أشم رائحة غريبة كهذه. لقد قذف محتويات الزجاجة كلها على وجهي ، وقبل أن أسقط إلى الأرض فاقدة الوعى كان صوت أحد المتجمهرين حولي يصل إلى أعماقي ليلتحم مع صرخة مدوية في أعماقي: - مسكينة هذه الفتاة ، لقد سكب ذلك المجنون محتويات الزجاجة في وجهها ، إنها لخسارة عظيمة أن يشوه هذا الوجه الجميل ، بمثل هذه القسوة للتصرف الجنوني ، هل يجرؤ عاقل أن يقذف على مثل هذا الوجه الجميل الرائع بمثل هذه الكمية الكبيرة من " ماء النار " ؟!... رويدك سيدي ، لماذا تشيح بوجهك عني هكذا ؟ لماذا تسرع الخطى وكأنك تفر من الشيطان؟ .. رويدك سيدي ؛ فأنا أعلم أن منظري لم يسرك وسط أسراب الغيد من الصبايا في الشارع المكتظ بالحسناوات ... (( انتهى النص .. وتسارعت الأيام .. وما زال صوتها يدوي في أعماق نفسي وروحي : " رويدك سيدي ، لماذا تشيح بوجهك عني هكذا ؟ لماذا تسرع الخطى وكأنك تفر من الشيطان؟ .. رويدك سيدي ؛ فأنا أعلم أن منظري لم يسرك وسط أسراب الغيد من الصبايا في الشارع المكتظ بالحسناوات ... " ))


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق