الثلاثاء، 29 مايو 2018

تأثير البيئة في الفكر والسلوك أمر بديهي أن يأخذ الإنسان أكبر قدر من أفكاره وسلوكياته وأخلاقه وتصرفاته من بيئته الأولى التي فتح فيها عينيه وهي الأسرة والأم والأب على الخصوص ويتوسع التأثير ليشمل المحيط ويتمدد أكثر من المحيط البشري إلى المحيط الحي بصفة عامة ،ويأتي الجماد تاليا، وعلى كل فالطبيعة بكلياتها تترك بصمات واضحة على شخصية الفرد وتطبعه بطابعها ، فالبيئة البدوية بجبالها الشم وصخورها وشعابها ووهادها وأشجارها وحيواناتها بتصــــــرفاتها كلها تترك أثر الغلظة والشدة . وعلى العكس من ذلك نجد الحاضرة بمظاهرها المتنوعة، ومرائيها المتناسقة ، تترك أثار الرقة والليونة. وقد حكى القرآن الكريم بأسلوبه البليغ المعجز هذه القصة فى سورة المائدة فقال الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) } (سورة المائدة 20 - 26) . فسماهم موسى بالفاسقين ودعا عليهم فصدق الله على كلامه وأسماهم بالفاسقين كذلك، ومن أغراض التيه في الصحراء العقاب ، وتغيير طبيعتهم من الهشاشة والجبن إلى القوة والإقدام. الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان صبيا بًعث به إلى البادية ليكتسب من فضائلها وتعركه بتجاربها حيث يجد فيها المرشد والأسوة. ولتأكيد هذا الطرح نورد مثالا يقدم صورة عامة عن التأثيرات المذكورة والتي يمكن أن تتبدل وتتغير حسب المقام والبيئة المحيطة وتلعب المصلحة الدور المهم في ذلك. في عهد الدولة العباسية وفي الوقت الذي ظهر فيه الشعراء المولدون .زعموا أن شاعرا بدويا شب راعيا في أعماق الريف بين الجبال الشاهقة والصحارى الممتدة والأشجار الباسقة والثيران المتصارعة والكباش والتيوس المتناطحة والنعاج الحانية والكلاب الحارسة ألمتفانية وهو ما جعله يتأثر بها ويأخذ بعضا من طباعهاهذا الشاعر التقى صدفة بأمير البلاد في رحلة صيد وقنص، سمعه الأمير يشدو بصوت عذب فعرض عليه صحبته، قدم حاضرة عامرة وأراد الأميربذلك أن يبث في الريف شيئا من الدعاية على لسان هذا الشاعر المفوه، فدعاه الأمير إلى السرايا وأكرم وفادته ومنحه شيئا من المال فما كان من هذا الشاعر إلا أن أنشا يمدح الأمير مترنما بقصيدة من الشعر هذا نصها: أنت كالــــــــــــــــدلو لا عدمناك دلوًا °°°°°°°°°°من كثير العطــــــــــــــا وبــــر الموالي أنت كالكلب في الحفاظ على الــــــــــو°°°°°°°°°° د وكالتيـــس في الــــــــوغى والنـــزال كنت الهـــــــــــــــــراوة في صد الظلم°°°°°°°°°°والبعــــــــير في الصـبر والاحتمـــــــال والخفاش يمتـــــــــــــص دم الأعادي°°°°°°°°°°وقـــــفز اليـــــــــــربوع نحو المعالي(°) هم بعض أعوان الأمير بقتله بعد أ أوقفوه، فقال الأمير( اتركوه فذلك ما وصل إليه علمه ومشهوده، لقد توسمت فيه النباهة والفطنة ، دعوه يقيم بيننا زمنا فقد لا نعدم فيه شاعرا مجيدا) وفعلا فما أقام بضع سنين في رغد عيش وبسطة حال حتى قال الشعر الرقيق، الآخذ بمجامع القلوب ،وهو في زعم البعض صاحب الأبيات التالية: يا من حـــــــــــوى زهر الرياض بخده°°°°°°°°°°°وحكى قضيـــــــــــب الخيزران بقده دع عنك ذا الســـــــــــيف الذي جرّدته°°°°°°°°°°°عينـــــــاك أمضى من مضارب حده كل السيـــــــــــوف قواطع إن جـرّدت°°°°°°°°°°°وحسام لحظـــــــــــك قاطع في غمده إن رمت تقتــــــــــــــــلني فأنت مخير°°°°°°°°°°°من ذا يعــــــــــارض سيدا في عبده وبعد أن كان يستلهم لغته وأفكاره من بيئته الأولى أصبحت بيئته الجديدة مصدر إلهامه ، زهر الرياض والخدود والخيزران والقدود ، والإشارة من طرف خفي إلى الغيد الأماليد دون ذكر الاسم ، والسيف والحسام والسيد والعبد. ومهما تكن صحة هذه القصة فإن ما رميت إليه أساسا هو تأثير البيئة في سلوك ونفسية وتصرف الشخص وهو أمر واقع. (°°°) المراجع:1ـ القرآن الكريم 2ــ قصة الإعرابي الشاعر من عصر الشعراء المولدين في العصر العباسي ــ سليمان البستاني 3ــ تجارب شخصية.ملاحظة اختلاف اللهجات ومخارج الحروف في اللغة الواحدة من جهة إلى أخرى وحتى المظاهر الفيسيولوجية تتغير وتتكيف. (°) تم التصرف في النص الشعري وفي قافيته حسب ما تخيلته في الموقف .البيت الأول والثاني من أصل الرواية وما بقي فمن عندي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق