الخميس، 21 أكتوبر 2021

أ.هدى مصلح النواجحة/ دراسة نقدية للشاعر إبراهيم عبد الله قصيدة بعنوان (عادات)

قراءة أدبية نقدية في قصيدة الشاعر إبراهيم عبدالله عيسى
بعنوان (عادات)

ترنو إليَّ بدلها ودلالها وأنا الأسيرُ لسحرها وجمالها
يا عقلُ دعكَ من المواعظِ إنني صبٌّ وقلبي عالقٌ بجمالها
إني عشقتَ النارَ نارَ غرامها إن كانت النيرانُ في إقبالها
وعشقتُ سهمَ اللحظِ يخرق أضلعي فيقول لي شيئاً على أحوالها
وأسوق أطياف الغرام ِ حيالها فلعلني يوماً أمرُّ ببالها
***
يا بسمةٌ تعلو شفاه حبيبةٍ قد أقرأتني الحبَ في إرسالها
ترجمتها حباً كما يقضي الهوى وجعلت نفسي فارساً لخيالها
والحفُ كان فقد أتاني ردُّها صمتاً خجولاً في زيارة آلها
وبنت معي الأحلامَ ليلةَ عرسنا أرأيتم الأفراحَ عند كمالها
كنّا كذلك ولم يكن في بالنا أنَّ الرؤوس تسير خلف نعالها
فهوت عباءاتُ الشواربِ من علٍ أجسامُ وهمٍ نزدهي بعقالها
عاداتنا سيفٌ على أعناقنا لا فرقَ بينَ حلالها وحرامها
هذا ابن عم البنت جاء يريدها وهو الذي أولى بها وبمالها
أولى بها ! أولى له أولى لهم ما للغرام بعمها وبخالها
نكثوا الوعودَ كأنها لي لم تكن وحُرمت من ريا الصبا ووصالها
***

ما زلتُ أبكي فوق قبرِ حبيبةٍ نثرت على الأجواء فيضَ جلالها
كمداً قضت لما رأت غيري فتى متربصاً بيمينها وشمالها
رفعَ الستارةَ عن فصولِ حكايةٍ غير التي سرنا الهوى بظلالها
وإذا الستارةُ لم تكن وفقَ الهوى فالخيرُ كلُّ الخير في إسدالها
قد أسدلتها غير آسفةٍ على عمرٍ يضيعُ في حذا فتّالها
صنعوا لها الأغلالَ تخنقُ عمرها فتحررت بالموتِ من أغلالها
قد سافرتْ حيثُ العدالةِ تنجلي وتُركتُ أبكِ العمرَ في أطلالها
***
زمرٌ وطبلٌ في مضارب أهلها يتراقصُ المجّانُ فوق رمالها
ويهنئون مكحلاً ومعطراً هيمان في دنيا الفنا وضلالها
ما همه قلبان ضاعا حسرةً أو وردة يُقضي على آمالها
عاداتهم نارٌ على جمرِ اللظى تصلي الجمالَ وتنتشي بفعالها
لم يخجلوا بل يفخرون بأنهم طول المدى دأبوا على إشعالها

سمعت القصيدة من فم الشاعر في المنتدى الأدبي؛ لكنني أحسست أن الشاعرَ يقولها بخجل وكأنه في موقف يُحسد عليه, وأحسست أنَّ هناك رسالة يجب أن تحكى على الملأ. فنحن أمام ضحايا العادات والتقاليد وإن تحرر منها الكثير؛ لكنها كانت سائدة في مجتمعنا ومازالت، وخاصة في المناطق المهمشة والتي يغلب عليها الانتماء للقبيلة. والشاعر اختار عتبة لنصه قد يعالج موضوعات أخرى منتمية من خلال هذا العنوان فهو بمثابة البحر لموضوعان أخرى وكأنه يقول انتظروا المشكلة التي تلي. فالعنوان (عادات) جمع مؤنث نكرة يعني الكثير. والعنوان مشوق فيه المفاجأة ولكن لا تولج لمقصود الشاعر إلا بعد ولوجه للموضوع بنفسه. فما هذه العادات التي قصدها الشاعر وما الموضوع الأكثر أهمية الذي بدأ به في مستهل رسائله؟
القصيدة سبعةٌ وعشرون بيتاً قسمها الشاعر إلى أربعة مجموعات وقد ساوى في عدد الأبيات في المجموعتين الأولى والأخيرة الرابعة فكل مجموعة من خمسة أبيات , وكأنه جعل من قصيدته رسالة من مقدمة وخاتمة وموضوع .ففي البيت الأول أكثر من التلوين فوظف الجناس الناقص في (بدلّها ودلالها ) ,والسجع في سحرها وجمالها ليعطي اشعاعاً وروحاً في زخرفة القصيدة , ويصوّر حالة المحبوبة التي شدها النظر للشاعر فأعلى من قدر نفسه وجعل الحبيبة في مقام أقل بتوظيفه لفظة (ترنو ) وليبين حالتها في دلتها هدوئها المشوب بالدلال, ويضع صورة له مقابلة فقد وقع أسير سحرها صورة جميلة ؛فقد شبه نفسه بالأسير ومن من؟ من جمالها مجاز لكثرة جمالها وتفرده.
ترنو إليَّ بدلها ودلالها  وأنا الأسيرُ لسحرها وجمالها 
وفي البيت الثاني ينشطر الشاعر عما فيه فيجسد العقل وكأنه شخص آخر يهديه ناصحاً بقوله (يا عقل دعك من المواعظ) ويعطي مبرراً كافياً وهو الحب الذي جعله يتعلق بها فشبه العلاقة بينه وبين جمالها بالحبل المتين وهو المتعلق به. هنا أيضاً مقابلة بين صوتين داخل الإنسان صوت العقل الملائكي وبين القلب مكمن العاطفة الغرائزي،فلنرى من المنتصر في هذه الجولة ؟ولننظر إلى عبارة (وقلبي عالقٌ بجمالها)فقد غالى بالفعل يتعلق  ليحوله إلى اسم فاعل عالق  وهو أكثر تأثيراً لتمكنه من الحدث .
يا عقلُ دعكَ من المواعظِ إنني      صبٌّ وقلبي عالقٌ بجمالها
وفي البيت الثالث يؤكد الشاعر ويقر بعشقه لنار غرامها , ولكن يشترط أن يكون حب النار إذا في إقبالها عليه ,وهنا نوع آخر من الزخرفة في تلوين الأساليب الواردة , ففي الشطر الأول أسلوب توكيد, وفي الشطر الثاني أسلوب شرط .
إني عشقتَ النارَ نارَ غرامها      إن كانت النيرانُ في إقبالها
في البيت الرابع يزيد لما عشق منها في صورة شعرية جميلة فيقول (وعشقتُ سهمَ اللحظ يخرق أضلعي) ليتركنا نتابع أين سيذهب هذا السهم ما بين الضلوع فلم يباشر إلى القلب. ولقد أحسن الشاعر توظيف الفعل (يخرق) ليبين شدة الحدث وقوة تأثيره على كل الإنسان، وهذا السهم يحمل رسالة للشاعر ليخبره عن أحوالها فقد تعلقت هي الأخرى به. والمثل الشعبي يقول القلبُ للقلبِ رسول.
وعشقتُ سهمَ اللحظِ يخرق أضلعي      فيقول لي شيئاً على أحوالها
أما البيتُ الخامس فالشاعر يستجمع كل خيالاته التي شحنها لحبها راجياً أن يكون هو الآخر محط اهتمامها معبراً بعبارة متواضعة (فلعلني يوماً أمر ببالها) وقد زاد الجمال الموسيقي للبيت فوحد قافيتا    الشطرين (حيالها، ببالها)
وأسوق أطياف الغرام ِ حيالها      فلعلني يوماً أمرُّ ببالها
لكنني سأمخر في المجموعة الثانية من أبيات القصيدة وسأترصد دلالاتها الجمالية التي ساقها الشاعر فيها وهي من البيت السادس وحتى النهاية البيت الخامس عشر، إذ يفتتحها بالتجسيد والنداء (يا بسمةٌ تعلو شفاه حبيبة) ويجعل منها رسالة واضحة فقد قرأ فيها الحب، ويؤكد على ما يقول من خلال ترجمته بحسب قانون الهوى فأصبح من وجهة نظره حبيباً لها مما ساق (وجعلتُ نفسي فارساً لخيالها) وقد ألبس العبارة صورة جميلة حيث جعل لخيال حبيبته فارسا متمثلاً فيه.
فلم يكن تصوره اعتباطاً فالصمت جواب وأبلغ من الرد وهذا كان في زيارة أسرتها لهم. ويشير الشاعر صراحةً على تقارب المشاعر بينهما فقد اشتركا في الأحلام حتي في ليلة عرسهما في أبهى وأكمل صورة ليشرك المتلقي فيقول له في أسلوب استفهامي يقصد فيه جذب المتلقي للمشاركة بعد السيطرة عليه (أرأيتم الأفراح عند كمالها؟) 
وتأخذه الحسرة على فقدان النعيم فقد كانوا محط نظر الآخرين الذين كانوا متتبعين للحبيبة. وفي صورة قبيحة زفر بها الشاعر معبراً لقد نجح في تصويره، فأبهم الرؤوس فهي لا تستحق التسمية لأنها تجهل مشاعر الناس.
ويلحق البيت الحادي عشر بما قبله قي الوصف فيعطي صورتين متقابلتين صورة رؤوس ذوي العباءات الوهمية صاحبة العقل المزهوة والتي هوت للأرض. وهنا يبرز الشاعر سر هذا الإيذاء إنه بسبب العادات التي شبهها بالسيف على العنق. ويخرج الشاعر من الحالة الخصوصية بلغة المتكلم ليستبدلها بلغة المتكلم للجمع ليدلل أن هذه الحالة طالت الجميع في المجتمع (عاداتنا سيف على أعناقنا) وتقدم العادات على حاجة وخصوصية الأفراد؛ يبينها في الطباق في لفظتي (حلالها وحرامها). والعادة المشار إليها هو تفضيل ابن العم على الغريب. فهو أحق بها وبمالها ويضمن المثل العبارات (أولى بها! أولى لهُ أولى لهم) , ثم يتساءل في سؤال تهكمي (ما للغرام بعمها أو خالها؟) . ويرضخ أهل الحبيبة لطلب العائلة ويُحرمُ الحبيب ممن أحب الذي صرح في قوله (وحرمتُ من ريا الصبا ووصالها) .
الفقرة الثانية كانت عشرة أبيات وصف الشاعر الأحداث، وقد استطاع أن يدخلنا في قصته. وكانت المجموعة الثانية رغم اختصارات الشاعر هي محك الحدث وذروة العقدة في قصته وعرض المشكلة.
يا بسمةٌ تعلو شفاه حبيبةٍ     قد أقرأتني الحبَ في إرسالها
ترجمتها حباً كما يقضي الهوى     وجعلت نفسي فارساً لخيالها
والحفُ كان فقد أتاني ردُّها     صمتاً خجولاً في زيارة آلها
وبنت معي الأحلامَ ليلةَ عرسنا     أرأيتم الأفراحَ عند كمالها
كنّا كذلك ولم يكن في بالنا      أنَّ الرؤوس تسير خلف نعالها 
فهوت عباءاتُ الشواربِ من علٍ     أجسامُ وهمٍ تزدهي بعقالها 
عاداتنا سيفٌ على أعناقنا      لا فرقَ بينَ حلالها وحرامها
هذا ابن عم البنت جاء يريدها     وهو الذي أولى بها وبمالها
أولى بها! أولى له أولى لهم      ما للغرام بعمها وبخالها
نكثوا الوعودَ كأنها لي لم تكن      وحُرمت من ريا الصبا ووصالها
أما المجموعة الثالثة وهي أقل في عدد أبياتها من البيت السادس عشر وحتى نهاية البيت الثاني والعشرين. وفيها تتمثل معاناة الشاعر فقد كانت حبلى بالاستعارة المكنية التي عرجت في تبادل الأدوار بين المحسوس والمجرد؛ (نثرت على الأجواء فيض جمالها)
وفي البيت السابع عشر يبين لنا سر موت الحبيبة، فقد ماتت كمداً عندما نزعوا الحبيب منها , وأما البديل فوصفه بالحيوان المتربص وقد استحوذ جميع الجسد في الطباق (يمينها وشمالها)
ويشبه ما حدث لهما بالرواية التي يجب سدل ستارتها لأنها لم تكن وفق الهوى, فالأهل كانوا سبباً في قتلها بسبب ما وضعوه لها من أغلال خنقت عمرها, وشبه الموت بالمحرر الذي أنهى عدم مقدرتها على بعد الحبيب كما شبه موتها بالسفر إلى الله حيث العدالة الإلهية , لكنها تركت شاعرنا يبكي أطلالها مدى العمر .
ما زلتُ أبكي فوق قبرِ حبيبةٍ     نثرت على الأجواء فيضَ جلالها
كمداً قضت لما رأت غيري فتى           متربصاً بيمينها وشمالها
رفعَ الستارةَ عن فصولِ حكايةٍ       غير التي سرنا الهوى بظلالها
وإذا الستارةُ لم تكن وفقَ الهوى      فالخيرُ كلُّ الخير في إسدالها
قد أسدلتها غير آسفةٍ على       عمرٍ يضيعُ في حذا قتّالها
صنعوا لها الأغلالَ تخنقُ عمرها        فتحررت بالموتِ من أغلالها
قد سافرتْ حيثُ العدالةِ تنجلي      تركتن أبكِ العمرَ في أطلالها

وفي المقطوعة الرابعة والأخيرة من البيت الثالث والعشرين إلى نهاية البيت السابع والعشرين نهاية القصيدة ونهاية مراد الشاعر وخاتمة الرسالة يصف ما كان من أمر العائلة والمهنئين والحضور الذين وصف جماعةً منهم بالمجّان الذين كانوا يتراقصون ويصف الشاعر رمال المكان أم رمال رمس العروس؟ ومن غله يصف العريس الذين يهنئونه بالمكحل والمعطر ولا يذكره بلقب العريس بل يزيد عليه بالوصف فهو (هيمان في دنيا الفنا وضلالها) ويكمل (ما همه قلبان ضاعا حسرة أو وردة يُقضى على آمالها) ويعود الشاعر ليوجز فحوى الرسالة ويشبه العادات بأقصى درجات النيران فهي نار على جمر أكثر توهجاً تصلى جمال الأحبة وتتسعر أكثر من فعلها.
ويعلن صراحةً عن سوء فعل الأهل فإنهم (لا يخجلون بل يفخرون) موظفاً الطباق بين اللفظتين لزيادة قبح العمل وجمال فنية التوظيف، ويؤكد الشاعر على ديمومة هذه العادة في قوله (طول المدى دأبوا على إشعالها) 
زمرٌ وطبلٌ في مضارب أهلها      يتراقصُ المجّانُ فوق رمالها
ويهنئون مكحلاً ومعطراً     هيمان في دنيا الفنا وضلالها
ما همه قلبان ضاعا حسرةً      أو وردة يُقضي على آمالها
عاداتهم نارٌ على جمرِ اللظى     تصلي الجمالَ وتنتشي بفعالها
لم يخجلوا بل يفخرون بأنهم     طول المدى دأبوا على إشعالها 
جماليات القصيدة 
- وظف الشاعر القصة في قصيدته مركزاً على مصيبة تجاهل الشعور الإنساني لدى المحبين المتفاهمين والمنسجمين وظلمهما من أجل زواج الأقارب بالإكراه.
- اعتلت مشاعر الشاعر وتأججت في توضيح المأساة في الفصل بين قلوب المحبين والتي وصلت لموت المغلوبة على أمرها وعذاب الحبيب مدى الحياة.
- أسلوب الشاعر سلس وألفاظه فصحى سهلة تناسب جميع المتلقين؛ فلا صعوبة في فهمها.
القصيدة تعج بالصور التي جاءت توضح المعنى وتزركش القصيدة رغم موضوعها المأساوي. مزج بين الأفعال المضارعة الحالية الوصفية في توضيح المعاناة الذاتية للشاعر وضمنها الأفعال الماضية التي تسرد القصة.
- التزم الشاعر بدور الراوي المباشر من خلال سرده للقصة.
- جعل من البحر الكامل موسيقى أساسية للقصيدة وهو بحر مناسب لجو القصيدة المفعم بالحزن والندب. كما استفاد من روي الهاء المطلقة لتشبع زفير روحه الحزينة، وقد عجت القصيدة بالأساليب المتنوعة والعبارات والألفاظ، فقد ساق الحروف المتشابهة في البيت الواحد وجميعها أضفت موسيقى داخلية تناغمت مع البحر والقافية للقصيدة .
القصيدة حداثية من حيث الفكرة وشكلها ومضمونها، فالقصيدة لم تخرج عن رسالة الشاعر للمجتمع لتنبيه القائمين على خطورة ظلم الفتيات وتزويجهن من الأقارب بالإكراه لتلافي نتائجه الوخيمة. وهو موضوع حديث في الشعر.
وختاماً أشكر الشاعر على هذه اللفتة الطيبة وهذ القصيدة التي شدتني إليها. القصيدة تعج بالجماليات لكنني سأكتفي بما قدمت.
مع خالص تحياتي.
أ. هدى مصلح النواجحة 
أم فضل
20 أكتوبر 2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق