الثلاثاء، 5 يونيو 2018

" رزان " ؟؟!! قصة قصيرة بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة ) ===================== آخر ما جادت به قريحة الكاتب ولم يسبق نشر النص من قبل . تنويه : أحداث وشخوص النص حقيقية .. حدثت على أرض الواقع ... ولا فضل للكاتب على النص ... اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب . إهداء خاص : إلى روح الشهيدة البطلة " رزان النجار " بطلة النص شهيدة " مسيرة العودة وكسر الحصار " وإلى أرواح جميع الشهداء . ( الكاتب ) ========================= " رزان " ؟؟!! .. نعم أنا " رزان " يا سيدي .. ألا تعرفني يا سيدي ؟؟!! .. كيف هذا بالله عليك وقد عرف العالم بأسره بما حدث لي ؟؟ .. فهل تراك الوحيد في هذا الكون الذي لم يعرف ولم يسمع بما حدث لي وأنت الذي تدعي بأنك الكاتب والأديب الملتزم الذي يتابع الأحداث ويوثقها أولاً بأول وحال حدوثها ؟؟!! . " رزان " .. " رزان " أنا يا سيدي ؛ فلماذا تأخرت في الكتابة عني لكل هذا الوقت ؟؟ .. حقًا بأنها مجرد ساعات ... أيام محدودة .. ولكن كان من الأجدر أن تعطي حق الأولوية في أعمالك الأدبية بأن تكتب عني لحظة الحدث وبدون أي تأخير . .. فاكتب .. اكتب يا سيدي عني .. اكتب عن " رزان " شهيدة الواجب والحق والرسالة .... اكتب عن " رزان " ضحية غدر العدو وغطرسته وعنجهيته .. اكتب عن " رزان " التي استشهدت وهي تشارك في " مسيرة العودة وكسر الحصار " على مقربة من الحدود الوهمية الزائفة التي كانت تفصلها عن بلدتها الحبيبة وعن وطنها السليب ... اكتب يا سيدي .. .. أعرف جيداً بأنك كنت تشاركني " مسيرة العودة وكسر الحصار " أولاً بأول ومنذ بدايتها منذ عدة أسابيع خليت ... ولكن شتان ما بين مشاركتي ومشاركتك ؟؟!! . فأنا كنت في مقدمة صفوف المشاركين في المسيرة .. كنت أرتدي الزي الأبيض المميز لرجال ونساء الإسعاف .. أعمل " مسعفة متطوعة " بلا أجر وأكتفي بأجري من الله سبحانه وتعالى .. أكتفي برضى ضميري بالعمل من أجل وطني وأبناء وطني ... بينما كنت أنت تجلس في الصفوف الخلفية .. الخلفية جدًا .. الأخيرة .. تجلس على مقعدك الوثير ... تستظل بظل " الخيمة " وترتشف الماء الزلال .. وبعضًا من المشروبات الساخنة ... وأخرى الباردة .. وتكتفي بالقيام بالمشاهدة والملاحظة والمتابعة لمجريات الأمور على الساحة .. وتدوين الملاحظات في كراستك الأنيقة وقلمك المذهب ..؟؟!! .. كم كان بودي أن أكمل دراستي الجامعية .. وأن أتخصص في المجال الإنساني الذي عشقته .. " الطب " .. فكم كان بودي أن أصبح " طبيبة " .. تعالج أبناء شعبها وتخفف من وطأة مصابهم وآلامهم وتداوي جراحهم . لكن ظروفي الأسرية المادية والاجتماعية لم تكن لتسمح لي بتحقيق تلك الأمنية .. فآثرت العمل " مسعفة متطوعة " والمشاركة في " مسيرة العودة وكسر الحصار " .. وإنقاذ المصابين والجرحى الذين كانوا يتعرضون لبطش وغطرسة العدو وعنجهيته ووحشيته . فكم كانت سعادتي الطاغية وفخري واعتزازي عندما كنت أرتدي الرداء الأبيض الذي يرمز إلى الطهر والنقاء والشرف والذي يميز رجال ونساء الإسعاف .. فأحس بالنشوة والأمان والحصانة التي كان يهبها لي ذلك الرداء السامي المميز . كنت أحس بالسعادة وقد غمرني رضى الله .. ومن ثم رضى ضميري ونفسي ... كلما كنت أسارع لإنقاذ مصاب أو جريح أو إخلاء شهيد من ساحة المعركة . وكم كانت سعادتي غامرة عندما كنت أقوم بالمهمة الإنسانية السامية على أتم وجه .. فأرى في عيون جميع المشاركين في المسيرة رسالة شكر لم تستطع الحروف والكلمات ترجمتها ؛ رسالة تساوي كنوز الكون قاطبة . وكم كنت أفخر وأعتز بتلك النظرات التي يرمقني بها الكل .. والابتسامات التي يتحفني بها الجميع في المسيرة والتي كنت أستمد منها ديمومة العطاء والبذل والتضحية والبذل والقوة . رسالتي الإنسانية كانت واضحة جلية .. وهي بذل أقصى ما في جهدي من أجل إنقاذ مصاب أو جريح .. والعمل على تقديم كل العون له وإسعافه .. وإخلائه من ساحة المعركة وميدان النزال وإنقاذه من تحت سيل الرصاص المنهمر من حولنا كالمطر .. ومحاولة إخلاء شهيد من ساحة المعركة خشية استيلاء العدو على جثمانه الطاهر وتدنيسه . وكم كان يراودني حلم إكمال دراستي الجامعية وتحقيق هدفي وأملي بأن أصبح طبيبة أخفف الآلام .. وأعالج المرضى .. وأكون سببًا في إسعاد الآخرين . كم كان يراودني الأمل بأن أصبح أمًا .. أنجب العدد الكبير من الأطفال كي أحاول تعويض الشهداء الذين وهبوا أرواحهم فداءً للوطن وتأدية للواجب المقدس . كم كان يراودني حلم العودة إلى بلدتي الحبيبة .. ووطني الغالي السليب .. بعد أن تنتصر " مسيرة العودة وكسر الحصار " على العدو الغاصب المحتل الذي يحاول جاهدًا عبثاً كسر إرادة شعبي وتحطيم أمله في العودة . بالأمس .. كنت أشارك في " مسيرة العودة وكسر الحصار " ومنذ الصباح الباكر - كعادتي ودأبي - . فلقد تعودت ومنذ بداية " مسيرة العودة وكسر الحصار " على الوصول إلى المكان في وقت مبكر .. حيث مئات .. بل آلاف " خيام العودة " والمشاركة في المسيرة .. فأكون من أوائل المشاركين ؛ فأقوم بمهمتي وواجبي الإنساني في العمل الميداني بكل جد واجتهاد . ما إن بدأت فعاليات اليوم في المواجهات مع جنود العدو .. حتى كان الجرحى يتساقطون تباعاً في ساحة المعركة على طول الحدود الوهمية .. لم يكن مني ومن رفاقي ورفيقاتي من العاملين في الإسعاف سوى الاندفاع بكل قوة وتحدٍ من أجل إنقاذ المصابين والجرحى وإخلائهم من ميدان معركة المواجهة وإسعافهم في المستشفى الميداني بشكل سرع ومؤقت . بعض الجرحى والمصابين والشهداء كانوا قد سقطوا في مكان قريب جداً من مواقع تمترس قوات العدو .. وكان لزاماً علينا محاولة إخلائهم من تحت قصف قوات العدو رغم أن في ذلك الأمر مخاطرة شديدة لأنهم كانوا يسقطون في مرمى نيران العدو مباشرة . ... برفقة بعض الزملاء من رجال الإسعاف والطواقم الطبية ؛ كنت أتقدم ناحية المصابين والجرحى والشهداء من أجمل القيام بالمهمة وعمل اللازم .. .. بالطبع ؛ فإنني وجميع رجال الطواقم الطبية والمسعفين كنا نرتدي الزي الأبيض المميز للعاملين في مجال الإسعاف .. والذي كان يعطي الحصانة لمن يرتدونه لأنهم يمثلون الجانب الإنساني والذين أعطتهم تلك الحصانة كل القوانين والتشريعات الإنسانية في وقت الحروب . تقدمت إلى الأمام من أجل القيام بمهمتي الإنسانية ؛ ورفعت كلتا يديّ إلى ما فوق رأسي علامة وإشارة إلى أني مسالمة .. وأنني لا أحمل في يديّ أي أداة أو آلة أو سلاح .. ولكي يتأكد جنود العدو بأنني لم أكن أحمل أي أداة تهددهم . اعتقدت بأن جنود العدو سوف يتفهمون الرسالة بشكل جيد .. وسوف يتأكدون بأنني أحمل رسالة إنسانية فحسب .. .. الإصابة كانت في القلب مباشرة .. ليست إصابة الشهيد المسجى على الأرض فحسب .. بل وإصابتي أيضًا ؟؟!! تحاملت على نفسي بقدر المستطاع ,,, أحاول أن أتم مهمتي الإنسانية في عمليات الإنقاذ والإسعاف ... انحنيت إلى جانب أحد الجرحى أحاول إنقاذه وإخلائه من المكان .. نزيف الدم كان من المصاب شديداً ... ومني أكثر . لم أستطع الوقوف أكثر .. تهاويت إلى الأرض .. سقطت إلى جانب الجريح النازف .. التقى شلال الدم النازف من جسدي بشلال الدم النازف من جسده .. سقطت إلى جانب شهيد .. التقت روحي بروحه .. ارتفعت أرواحنا إلى عنان السماء .. تشكو إلى الله ظلم العدو المتغطرس وجبروته .. التقت روحي بمئات .. آلاف الأرواح التي كانت قد سبقتنا في طريقها إلى الفردوس الأعلى .. والتقت مع مئات .. آلاف الأرواح التي ما زالت تصعد إلى السماء .. .. فاكتب .. اكتب يا سيدي عني .. اكتب عن " رزان " شهيدة الواجب والحق والرسالة .... اكتب عن " رزان " ضحية حمق وغدر وحقد العدو وغطرسته وعنجهيته .. اكتب عن " رزان " التي استشهدت وهي تشارك في " مسيرة العودة وكسر الحصار " على مقربة من الحدود الوهمية الزائفة التي كانت تفصلها عن بلدتها الحبيبة وعن وطنها السليب ... اكتب يا سيدي .. (( انتهى النص ... وما زالت روح الشهيدة " رزان " تحلق في السموات العلا .. في طريقها إلى الفردوس الأعلى .. وتلتقي بمئات .. آلاف الأرواح التي كانت قد سبقتها. ومئات وآلاف الأرواح التي لحقتها .. والأرواح التي ما زالت تصعد إلى السماء )) ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق