اليكم النقد البناء للناقد الكبير د.حازم الصبيحي
أبو الطيب حازم الصبيحي
لنص الشاعرة المبدعة Wafaa Garip Wafaa
نهضة النثر
قراءة في نص "تُخترقُ الحواسُّ"
للشاعرة وفاء غريب
مقدمة:
"ظل النثر العربي يعاني حالة من التردي والقصور بدأت منذ عصور الدول الإسلامية المتتابعة وبلغت أوجها في العصر العثماني. وصار اهتمام الأدب والأدباء محصورًا في الصنعة اللفظية، فأكثروا من المحسنات البديعية ووجهوا لها عناية خاصة. وزاد الأمر سوءًا أن تسربت الألفاظ التُّركية إلى اللغة الفصحى، فانحصرت اللغة الفصحى بين طائفة المتأدبين وأهل العلم من شيوخ الأزهر، حين ضعف الحس بالعربية بين فئات المجتمع الأخرى.
ثم بدأت بنهاية القرن الثامن عشر حركة انبعاث في الأدب العربي الحديث أثّرت على الشعر والنثر معًا، وأدت إلى لون من النضج والازدهار. وكان من أظهر عوامل هذه النهضة في النثر الحديث ظهور لون جديد من الكتابة المرسلة المتحررة من إسار السجع وصنعة الجناس وقيود البديع.
نهض النثر عقب ذلك نهضة واسعة، وتحرر تمامًا من تلك القيود البديعية؛ فسادت بين الكتاب والخطباء أساليب من الفصاحة والبلاغة والبيان تبعد عن التكلف والصنعة.
ومن العوامل الحاسمة في تطور النثر العربي الحديث وخروجه من وهدة التخلف والركاكة ما صاحب النهضة الأدبية في العصر الحديث من مد جسور الاتصال الفكري والثقافي بين الشرق والغرب عن طريق التعليم والبعثات والترجمة ودور الطباعة ومنشآت الصحف والمكتبات وما إلى ذلك من وسائل ثقافية وفكرية كان النثر فارس ميدانها غير منازع".
وعندما نشرع في قراءة هذا النص الماتع "تُخترق الحواسُّ" بداية من عتبته الأولى -العنوان- الذي جاء في شكل جملة فعلية فعلها مبني للمجهول؛ ليثير داخلنا تساؤلات عن مخترقات الحواس وأسبابها،
ولعلنا من الوهلة الأولى نعتقد أن العنوان هو بداية النص، وهنا نتأكد أن العنوان وحده يبرز تجربة الكاتبة والحالة الشعورية لديها..
ومن ثم نجد براعة الاستهلال في قولها: (تشد الرحال تصبو إلى لقاء)، ما يجذب انتباه القارئ ويثير مشاعره الفطرية العربية؛ فلا يخلونّ عربي من وجع الاختراق والترحال والفراق، سواء في بيئته الأسرية أو في وطنه الجريح المغتصب.
ثم تصور الكاتبة معاناتها جراء اختراق حواسها، وذودها ضد كل مسببات الاختراق كمناضلة تحمل سيف الحروف مدافعة به عنها، مستمسكة بالأمل الدائم، معلنة حرية مشاعرها برغم كل المآسي، وإن كانت قد صاغت معاناتها في دفقات متواترة ولم تلتزم وحدة عضوية متكاملة، إلا أنها في المضمون قد استطاعت أن تستثير الشعور تجاه تلك المعاناة.
برعت الكاتبة في جمع لؤلؤات الجمال البلاغي في صور مكثفة وإيحاءات عالية الجودة خيالًا وتخييلًا؛ ما يلهب مشاعر القارئ ليشاركها تجرع آلام الاختراق، الذي هو شعور عام لدى الشعوب العربية جمعاء.
التزمت الكاتبة المفردة العربية الفصيحة، وبرعت في توظيفها لخدمة المعنى المكثف البديع، غير أنها لم توفق في تعريب المفردة الأعجمية (دراما)، وقامت بتصريفها وهو مالا يستحسن؛ حيث قالت: (تغدو مسرحًا لدرامةٍ ضاحكة).
وختامًا.. أتمنى التوفيق الدائم للشاعر وفاء غريب، راجيًا أن تتدارك ما أشرنا إليه، وأن تقدم لنا إبداعًا أكثر إمتاعًا وأبهى بيانًا، وآمل أن أكون قد أفدت الكاتبة والقراء الأجلاء.
وإليكم النص:
تخترق الحواس
تشد الرحال تصبو إلى لقاءٍ
صَمَدَتْ أحلامي مع رحيل الليل
لكن
أسوار قناعتي تحمل ألف قنديل
صاغت من القمر قلادة
أحملها كأمنيةٍ تتحقق في لا وعي
أسرجت السنابل في غمدها
كي أرتدي ثوب الأمل
وجعلت المر عسلاً
لتسد رمق القصيدة
فلعلها الحروف
تحطم عرين الأحزان
تغدو مسرحاً لدرامةٍ ضاحكةٍ
في مسرحية الأيام
تدركها سيمفونية تعزفها وحدتي
ترنو لبعيدٍ بث أكذوبة
ضاع معها الغد
قلبك صَوان يرتدي حُلّة اللين
أواكب الفرح كصَحّافٍ من وهمٍ
متى يفيق قلبي من غيبوبته
ولا يرى الحلم مأرباً للهروب
آهاتي جداول لا تروي الحنين
ولا ننسى معها الأنين
فعلام أبقيك في صدري
وأنت تحفر فيه نفقاً مظلماً
موشوم بغدرٍ
يرتدي قناع الوفاء
تبدد طاقتي
بحلمٍ مملوء بنور شمعةٍ
يَقْتَات منها الليل
ولا يطفئ اللهفة في الفؤاد
المشاعر حرة
تتجمهر في غضبٍ
يمحو الصبر ويطارد الحُلم
في أمواجٍ بلا شطآن.
وفاء غريب سيد أحمد /مصر
تحياتي...
د/ حازم الصبيحي
أستاذ الأدب والنقد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق